عاشت المهدية أيام 3 و4 و5 و6 ماي الجاري على وقع مهرجان مسرح المؤنث في دورته التأسيسية والتي انطلقت متميزة بخياراتها ممّا يبشر بتظاهرة، شعارها رقي المضمون وحسن التنظيم حيث استقبلت المهدية في افتتاحها للمهرجان الفنانة المبدعة جليلة بكار ومسرحيتها " بحثا عن عائدة"، وذلك بمناسبة حصول بطلة "فاميليا" على جائزة محمود درويش للإبداع والفنون كما تم ضمن البرنامج عرض مسرحية "خيرة" لناجية الورغي و" تواما" لمنال عبد القوي وعدد من المحاضرات الخاصة بمسرح المؤنّث في تونس أمّنها أكاديميّون في هذا المجال على غرار الدكتور محمد المديوني والأستاذة بسمة الفرشيشي. احتضنت دار الثقافة بالمهدية حفل افتتاح الدورة الأولى لمهرجان المسرح المؤنّث الذي اختار شعار "نحو مسرح الصمود". المهرجان أقيم بدعم من المندوبية الجهوية للثقافة بالمهدية وبالتعاون مع جمعية مسرح البحر ورواق الفنون "علي خوجة"، والمندوب الجهوي للجهة كان الوجه الرّسمي الوحيد الذي شاهدناه طيلة أيام التظاهرة حيث غاب السيد مهدي مبروك عن افتتاح واختتام المهرجان رغم الدعوة التي وجهت له...ولعّل سبب هذا الغياب ارتباطات مهنية أخرى لكن الأكيد أن المسرح المؤنث بالمهدية في دورته الأولى من التظاهرات التي تستحق اهتمام أكبر من قبل وزارة الثقافة لجدية طرحها وبرمجتها. انطلق حفل الافتتاح في حدود الخامسة مساء من يوم 3 ماي الجاري وقد استعرض خلاله منسق التظاهرة السيد الحبيب بن مبروك بحضور عدد من مثقفي المنطقة وشبابها المأخوذ بسحر الفنون، برمجة الدورة المخصصة للمسرح المؤنث مشيرا إلى أهمية هذا النمط الفني الذي يبرز الرؤية الجمالية والفنية للمسرحي في صيغته المؤنثة كما حذر في كلمته من محاولة الزج بالمعنى الاصطلاحي للمسرح الصمود في خانة السياسة معتبرا هذا الفن ينشد القيم الإنسانية ويدافع عنها وهو صالح لكل المراحل ومنها الواقع الراهن في تونس. عروض مسرحية خذلتها التقنية من جهتها كشفت الفنّانة المسرحيّة جليلة بكّار خلال سهرة الافتتاح عن أهمية عملها المونودرامي "بحثا عن عائدة" في مسيرتها الإبداعية من منطلق أنه أول نص تكتبه للمسرح سنة 1998 وذلك بطلب من الكاتب والإعلامي الياس الخوري لعرضه في بيروت بمناسبة مرور خمسين سنة على النكبة. ورغم العرض "الفيديو" لمسرحية "باحثا عن عائدة" إلا أنه حظي بالمتابعة ولم تبرز فيه المشاكل التقنية كما حدث مع عرضي منال عبد القوي "تواما" و"خيرة" لناجية الورغي اللذين كشفا عن "الفقر التقني" لدار الثقافة بالمهدية ، فهذا الفضاء المتقد بحيوية رواده من الشباب وجدية نشاطاته الفكرية والفنية لا يملك من التقنيات ما يسمح له بإبراز انجازاته على عكس فضاءات أخرى في العاصمة - على سبيل الذكر- تحتفظ بتقنيات محترفة ومع ذلك تفتح قاعاتها لأشياء أخرى قد لا تكون لها علاقة بالثقافة. وفي المهدية ومهرجانها "المسرح المؤنث" استشعرنا كذلك استياء الفنانة ناجية الورغي من ظروف العمل التقنية بعد عرضها ليلة السبت 5 ماي خاصة وأن "خيرة" هي التجربة الأولى لسيدة مسرح الأرض في مجال الإخراج عن نص لرفيق دربها نورالدين الورغي والذي كتب هذه المسرحية إثر أحداث الخبز سنة 1984 فيما جسدت أدوارها كل من سعيدة الحامي ومعز بن طالب. لم تمح هذه الصعوبات التقنية جمالية عملي جليلة بكار وناجية الورغي فرغم أن نصي "باحثا عن عائدة" وخيرة" يعودان إلى سنوات مضت إلا أن صور ثورة 14 جانفي 2011 تراءت لنا ونحن نشاهد انتاجات "فاميليا" ومسرح "الأرض" وهنا تكمن أهمية مسرح الذاكرة والمقاومة في ثورته ضد الدكتاتورية والظلم ونصرته لكرامة أبناء الشعب وحريتهم. صورة المرأة في المسرح التونسي تم خلال المهرجان تطارح قضايا ذات صلة بدور المرأة في مجال الإبداع والمسرحي منه بالخصوص وطرح الدكتور محمد المديوني في مداخلته مثلا حول "صورة المرأة في المسرح التونسي" ( يوم 4 ماي ) المراحل التاريخية التي مرت بها المرأة الفنانة حتى تصبح سيدة لخطابها والتي تأثرت في مختلف الحقبات بالظروف الاجتماعية المحيطة بها إلى أن تمكنت بفضل إصرارها من إثبات خصوصيتها ورؤيتها في عالم الفن الرابع فيما شددت الأستاذة بسمة الفرشيشي في مداخلتها ليوم 5 ماي على أن المسرح التونسي متماهي في مكوناته ولا تعنيه مسألة جنس المبدع باعتبار أن مسألة التناصف والتفرقة الجنسيّة غير مطروحة في الفن الرابع وتجاوزها المسرحيون منذ زمن وفي الجلسة ذاتها أقرت الفنانة دليلة المفتاحي في شهادتها حول المسرح المؤنث بخوفها من تغير الأوضاع في تونس خاصة بعد أن تعرضت لحادثة أثناء إحدى جولاتها المسرحية أفزعتها إذ طلبها أحد الحاضرين بتمكينه من لمحة عن مضمون مسرحيتها قبل عرضها وأضافت دليلة المفتاحي في هذا السياق أن ما تعيشه الممثلة المسرحية اليوم لم تعرفه في سنوات السبعينات والثمانينات وهي تخشى اليوم على حرية الإبداع. من جهتها أكّدت المبدعة فاطمة سعيدان على ضرورة مواجهة الأطراف التي تريد تهميش المرأة وخصوصا الفنانة والمثقفة معتبرة اشتغالها بالمسرح هو مهنتها التي تساهم من خلالها في تطوير مجتمعها على غرار مهن أخرى يشرّعها المجتمع. الدورة التأسيسية لمهرجان المسرح المؤنّث بالمهدية لم تقتصر على العروض المسرحية والندوات الفكرية فخصّصت الفترات الصباحية للفنون التشكيلية وأعدت في هذا الإطار جدارية خاصة بالتظاهرة كما تمت إقامة نصب تذكاري من انجاز الفنان أكرم خوجة واختتمت سلسلة عروضها يوم الأحد 6 ماي الجاري بمسرحية "حكاية عرائس " لحبية الجندوبي والموجهة للأطفال.