يحق لنا اليوم التساؤل بعد عام ونصف تقريبا على سقوط نظام بن علي وحوالي ستة اشهر على انتصاب المجلس التأسيسي وخمسة أشهر من عمر الحكومة هل أننا نعيش مأزقا لا تلوح بوادر الخروج منه. فما يحدث حاليا في البلاد من انفلاتات هو أمر خطير جدا اصبح يهدد بصفة جدية مسارنا نحو بناء نظام ديمقراطي تعددي نستنشق فيه جميعا "نسمة الحرية" ونتفيأ بظلال دولة قانون ومؤسسات ترعى مصالح البلاد والعباد.. فمن المؤسف ان نعيش ومنذ رحيل الطاغية حالة دائمة من المراوحة بين الانفراج والاحتقان لا تبدو لها نهاية. فكلما بدا ان الوضع العام في البلاد يسير نحو الانفراج والتحسن مبشرا بعودة شحنة التفاؤل العام الذي انتشينا به بعد الثورة الا ونفاجأ بعودة الاحتقان الاجتماعي والانفلاتات الأمنية والتعدي على مقرات السيادة والمنشآت الاقتصادية وقطع الطرقات الخ.. فهل هو ضريبة حتمية لعقود التهميش لمناطق كاملة من البلاد؟ أم أن هناك أيادي تحرك خيوطا في الخفاء لغايات معلومة مجهولة؟ وإن الاجابة لا تبدو سهلة واضحة اذ قد يكون الامران متلازمين الا ان الاهم الان لا يكمن في الجواب الدقيق الواضح على مثل هذه التساؤلات بقدر ما هو العلاج الفوري والحاسم للوضع. فالمعطيان الاساسيان اللذان لا يجب ان يغيبا عن السلطة الحاكمة وعلى المعارضة بكل أطيافها هما اولا ان الثورة هي مكسب للجميع، أي للأغلبية الساحقة للشعب التونسي وأنها امانة ستحاسبنا الاجيال القادمة على التفريط فيها ويبدو شبه مؤكد اننا سنفرط فيها اذا واصلنا السير على النهج الحالي أي تضييع هيبة الدولة وتهديد امن المواطن وقد انبثقت عن هذه الثورة مؤسسات منتخبة ديمقراطيا وتمثل الشعب التونسي وبيدها سلطة القرار الذي يجب ان يراعي المصالح العليا للوطن ولا شيء غيرها. اما المعطى الثاني فهو ان الرأي العام في عمومه شهد تحولات عميقة يجب ان تأخذها السلطة الحاكمة بعين الاعتبار وفي مقدمتها انه اصبح لدى الاغلبية وعي بأهمية المرحلة ورهاناتها وأولوياتها وهي استتباب الأمن وعودة "السكينة العامة" بمفهومها الايجابي حتى يمكن للعجلة الاقتصادية ان تدور فالشعب واع بأن نتائج عقود من التهميش وسوء السياسة والادارة للشأن العام لا يمكن معالجتها وايجاد الحلول لها بين عشية وضحاها بل تتطلب سنوات بل ربما عقودا من الحوكمة الرشيدة وان ما يحدث حاليا لا يمكن له الا ان يعرقل كل جهود الاصلاح وبالتالي تعقيد المشاكل وتعميقها وانه يسير في المقام الاول في اتجاه معاكس لمصالح المهمشين أنفسهم. ان المطلوب حاليا، ودون مواربة او خوف من الكلمات هو ان تكون السلطة والمعارضة ايضا في حجم مسؤولية اللحظة التاريخية وهي فارقة التي نعيشها واستحقاقاتها وعلى ان يعوا اننا نتردى كل يوم اكثر في مستنقع الفوضى واللاقانون واننا الان نثور ضد انفسنا وضد ثورتنا إن الوصفة لما يحدث تكمن بكل بساطة في تطبيق القانون بدون ادنى تراخ ودون أي حسابات..