أسئلة عديدة يطرحها الحريق الذي شب صبيحة يوم أول أمس بسوق المنصف باي بالعاصمة خصوصا وأنه سبق لنفس السوق أن احترقت في عهد الرئيس المخلوع، في وقت كان فيه الإعلام ملجما وسوق الإشاعة مزدهرة. وقد راجت آنذاك إشاعات اتهمت أصحاب مصالح من مافيات النظام السابق بتدبير الحريق للاستيلاء على الأرض المقامة فوقها من أجل مضاربة عقارية مربحة مع أطراف خليجية. ومن المؤسف له أن سوق الإشاعة قد «اشتغلت» أيضا أول أمس بمناسبة الحريق الثاني وبسرعة غريبة، منذ اللحظات الأولى لاندلاعه وتلقفتها بعض وسائل الإعلام مباشرة مما انجر عنه اعتداء على أعوان الأمن وعرقلة عمل أعوان الحماية المدنية والاعتداء عليهم هم أيضا. وأول الأسئلة التي يطرحها هذا الحريق الذي أتى على جناح واحد من أجنحة السوق وهو ذلك المخصص لبيع الأجهزة الكهربائية المنزلية والالكترونية الذي يمسح 1500 متر مربع، هو هل أن هناك طرفا أو أطرافا لها مصلحة في ما حدث؟ وثانيها هو هل أن لزيارة الوزير الأول قبل يوم واحد من الحريق علاقة بما حدث؟ وثالثها هل أن الحادثة تندرج في مخطط تخريب وهرسلة وتشويش على السلطة؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها لا تبدو ممكنة حاليا لأن التحقيق لايزال في بدايته ولا يعرف بعد إن كان الأمر حادثا أو جريمة بفعل فاعل. إلا أن الشيء المؤكد هو أن مساحات من الغموض ستبقى قائمة مهما كانت نتيجة الأبحاث. إذ أن ما يميز النشاط التجاري بمثل هذه السوق وغيرها من الأسواق الموازية في البلاد هو بالذات هالة الغموض التي تحيط بها وبالقائمين عليها والمتمعشين الحقيقيين منها فلئن كان مئات الأشخاص ومن ورائهم مئات العائلات يتمعشون منها فما هم في واقع الأمر سوى الشجرة التي تخفي الغابة وهي غابة كثيفة من المصالح المتشابكة المتنافرة التي نجحت في ظل دولة الفساد التي أناخت بكلكلها على البلاد لأكثر من عقدين من الزمان في التغلغل دون شك إلى مفاصل مختلف الأجهزة المتعاملة معها من ديوانة وشرطة وغيرهما. ودون استباق لنتائج التحقيق في ملابسات الحريق فإنه يمكن القول إنه لمن الغريب بمكان أنه كلما تحركت السلط للاهتمام بقطاع ما أو لتنظيمه إلا وبدا وكأن آلة خفية تتحرك للعرقلة أو لتحويل الأنظار.