تنتشر عديد الصناعات التقليدية والحرف اليدوية بشكل كبير بجهة فائض وهي تمثل مورد رزق عديد العائلات بالمنطقة وهذا النشاط الاقتصادي الذي عرفت به البلدة منذ القدم يتأرجح الإقبال عليه وترويجه بين المتوسط والمتواضع رغم الحاجة الملحة لمتساكني المنطقة لهذه المنتوجات الضرورية. الجبال والهضاب والأودية المحلية تحتوي على مخزون طبيعي هائل ونادر من المواد الأولية كمادة الطين الأحمر الذي يستعمل في صناعة بعض أواني الطبخ مثل زالطاجينس وسالبرمةس وسالكسكاسس وسالقوجةس والكانون أما الحلفاء التي تغطي سفوح سلاسل جبال السباسب فهي تستغل في صناعة الحصير وسالشواميس والصناج والقفاف بمختلف أحجامها التي يستعملها القرويون لجمع بعض المنتوجات الفلاحية بضيعاتهم وكذلك زالشواريس وسالزنبيلس الذي يوضع على ظهر الحمار أوالبغل لنقل الأغراض الثقيلة كما لا ننسى بعض المواد الأولية الأخرى المتأتية من تربية الماشية كصوف الأغنام وشعر الماعز ووبر الإبل لصناعة البرنوس والقشابية والزربية والمرقوم والكليم. ولكن هذه الخيرات والمواد ظلت غير مستغلة على الوجه الأكمل لقلة ذات اليد والعراقيل الإدارية وانعدام التشجيعات المحلية. فهذه الأنشطة تعاقبت على احترافها أجيال وظلت محتشمة حينا وموسمية حينا آخر وضعيفة لا ترتقي إلى مستوى التسويق خارج حدود الولاية مما جعل عديد الحرفيين يتخلون عن نشاطهم ويقل إنتاجهم. الصباح قامت بزيارة ميدانية إلى بلدة فائض التابعة لمعتمدية سيدي بوزيدالشرقية وحاورت بعض ما تبقى من الحرفيين القدامى للتعرف على مشاغلهم وأهم العراقيل التي تعترضهم ورصدت أهم السبل الكفيلة بتطوير القطاع والنهوض به مستقبلا. صعوبات ماديّة بالجملة أول ما يشغل بال هذه الفئة من الحرفيين هوالجانب المادي فمعظمهم من ذوي الدخل المحدود الذي لا يكفي لنفقات المواد الأولية وكذلك الكلفة الباهظة للمعدات الخاصة بالعمل إضافة إلى افتقارهم لوسائل نقل لترويج منتجاتهم. نعيمة (مختصة في صناعة الزربية ربة بيت وأم لستة أطفال) تقول إن عدم توفر إمكانية الحصول على قروض صغرى من بنك التضامن الذي يشترط شروطا تعجيزية كالتمويل الذاتي وضمانات من المعني بالأمر وانعدام تشجيعات السلط المحلية كلها تمثل عراقيل وعوائق كبيرة لا تخدم مصلحة الحرفيين ولا مصلحة القطاع الذي بدأ في التلاشي وتتأسف محدثتنا عن غلق المركز المحلي للبنت الريفية لأسباب مجهولة وتعتبره جريمة في حق حرفيات الجهة فهذا المركز كان يشهد إقبالا كبيرا من طرف الفتيات والنساء وكان الإنتاج كذلك وفيرا ومتنوعا وتخرجت منه عديد الحرفيات لقد كان يدرّ عليهن دخلا متواضعا يفي ببعض حوائجهن في ظل انعدام تامّ لمواطن الشغل الأخرى أما الآن فلقد خلف غلقه حسرة وبطالة لجميعهن فلازمن البيوت في صمت. خالد البديري (40 سنة) يقول إن حرمان الجهة من التمتع بثرواتها وحقها في التنمية منذ عقود من التهميش والفقر مازال متواصلا حتى بعد الثورة ورموز النظام البائد مازالوا يتحكمون في مصيرنا ويسيطرون على أكثر من 70 بالمائة من الموارد الحياتية للجهة كما أنهم زادوا في نسبة البطالة والفقر. وللنهوض بهذه البلدة وانتشالها من الخصاصة فإننا نوجه دعوة لوزارات الحكومة المؤقتة كأملاك الدولة والفلاحة والتشغيل وكذلك المندوبية الجهوية للصناعات التقليدية بسيدي بوزيد لعقد لقاءات مع لجنة متابعة تتشكل من المجتمع المدني لدراسة أهم مشاغل الحرفيين خاصة والمواطنين عامة وفتح ملفات الفساد ومحاسبة رموزه وعلى سبيل الذكر لا الحصر ملفات أراضي زالبيليكس وعديد الأملاك العامة كالمستوصف المحلي والمدرسة الابتدائية القديمة والمركب التجاري بالجهة الذي يحتوي على مقهى شعبي كبير وعشرات المحلات التجارية وكذلك كل الأراضي المحيطة بهذه العقارات هي كلها ملك عام وبناها المواطنون بمالهم الخاص أواخر الخمسينات وفي بداية الستينات ونظرا لعدم وجود بلدية بالجهة تعنى بهذه الممتلكات العامة وتنظم التصرف فيها عمدت أطراف محسوبة على النظام السابق إلى تعطيل دواليبها وتجميدها لعشرات السنين وحرمان المواطنين من الاستفادة بخدماتها ثمّ الاستيلاء عليها أوانتزاعها بطرق غير شرعية وبأسعار زهيدة جدا وفي كنف السرية التامة ليتحول أول مستوصف وأول مرفق صحي بالجهة إلى صيدلية ويعود ذلك المركب التجاري للعمل لكن للحساب الخاص وتؤجر محلاته العديدة ومقهاه الكبير لضعاف الحال وبمعاليم كراء مشطة جدا. كما تحولت المدرسة الابتدائية وأول منارة تعليمية بالبلدة إلى مستودع بعد أن كانت مركزا للبنت الريفية ترتاده الفتيات اللاتي انقطعن عن الدراسة مبكرا نظرا لما يكلفه ذلك من أعباء مادية إضافية على الأسرة ولعل هذه التجاوزات الجائرة ساهمت بشكل كبير في تراجع نشاط الصناعات التقليدية والحرف الصغرى بالجهة وقللت من عدد الحرفيين وحرمت المرأة الريفية من فرص التعلم والنشاط وتفشت البطالة بين المتساكنين. وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة غليانا وغضبا كبيرا لدى عديد المواطنين المطالبين بزيارة بعض وسائل الإعلام وأعضاء من لجنة تقصي الحقائق للوقوف على حقيقة وضعهم المزري وعدم الاستجابة لمطالبهم ورفع المظالم عنهم واسترجاع المنهوب منهم ومحاسبة رموز العهد السابق التي ظلت جاثمة على صدورهم ولمدة عقود. كما طالبوا أيضا أن تكون هذه الممتلكات العامة تحت تصرف بلدية سيدي بوزيدالشرقية وإعادة فتح المركز الحرفي للبنت الريفية وتخصيص محلات قارة ومتواضعة لمنتوجاتهم تتوفر على أبسط شروط الصحة والزينة اللائقة لجلب الحريف. واستغلال جزء من أراضي زالبيليكس التي تمّ الاستيلاء عليها لبعث قرية حرفية وفق دراسة تضع في الاعتبار أهمية موقع الجهة. ففائض تمتاز بموقع جغرافي واستراتيجي ممتاز وتمرّ عبرها معظم الطرق الرئيسية المؤدية إلى أغلب المدن الكبرى. ولم لا برمجة معرض سنوي للصناعات التقليدية بسيدي بوزيد يعرض خلاله الحرفيون كل ما ينتجونه خلال سنة ولمدة زمنية معقولة وأن تتكفل المندوبية الجهوية للصناعات التقليدية بتمويلهم بقروض صغرى أوشراء قسط من البضائع المنتجة بأسعار مقبولة لترويجها في الأسواق الداخلية والخارجية. حرفي آخر ذكر أنه من بين القلائل الذين لا زالوا يمتهنون حرفة أجدادهم فكثير منهم تخلى عنها نهائيا وانصرف إلى أنشطة أخرى في مجالات مختلفة وذلك لانعدام التشجيعات والتمويل والتسويق وعدم توفر الفضاء اللازم كما أن حرفة صنع الحلفاء والقفاف والبرنس والزربية وسالكليمس وسالقشابيةس وصناعة الأواني من الطين الأحمر لم تعد اليوم مربحة كذي قبل لتطور نمط الحياة وتراجع الإقبال على شرائها. وتبقى أكثر من نقطة استفهام حول تقاعس السلط المحلية والجهوية وعدم تدخلها بصفة فاعلة في هذه الجهة وحل مشاكلها العديدة كتفاقم معضلة البطالة وهشاشة البنية التحتية وتهميش اليد العاملة المختصة والحدّ من الاستغلال الفاحش وتفشي الفساد والمحسوبية وخاصة أن تونس على أبواب استحقاقات انتخابية جديدة تشريعية ورئاسية وجهوية ومحلية وتبقى الأرياف في هذه المرحلة في حاجة ماسة إلى استعادة حقوقها ومقاومة شتى أنواع الفساد فيها لتدعيم مكانتها الاقتصادية والاجتماعية والحفاظ على مكاسبها التنموية في الحقوق والحريات والكرامة لمواصلة تحقيق النمو والتوازن بين الجهات.