هزيمة يونيو 67 المرسّمة في الذاكرة العربية تحت عنوان النكسة لم تكن مجرّد انكسار عسكري سمح لإسرائيل في ظرف ستة أيام بقلب خريطة الشرق الأوسط واسقاط حلم التحرير الوطني الذي رعته الناصرية صحبة كمّ شيّق من التطلعات والأحلام، هزيمة 67 لم تكن فقط ضربة قاسية في حق نظام أو أمة أو ثقافة أو انسان إنما كانت في بعد من أبعادها إعلان انهيار لنموذج رؤيتنا وتحققنا الحضاري والوجودي في الحياة كعرب مازالوا يتحسسون طريق النجاة من إقامة طال مداها في قعر الهاوية. من الخطأ استحضار ذكرى الهزيمة كمجرّد استنهاض لوقائع غابرة في التاريخ خاصة وأن التداعيات والأسباب والملابسات والنتائج والمقدمات بل وكامل ديكور الهزيمة لازال قائما بكل قوّة على مسرح التحقق العربي دون أن يكون للعقل السياسي أو الثقافي العربي القدرة النقدية الصارمة في عرض جرد موضوعي في حجم ألم النكسة وصدمتها. يتصرف بعض المساهمين في لعبة التحيّل الفكري والسياسي بنفس أدوات المخاتلة في تهميش العمق الحقيقي للهزيمة ويذهب التهميش بعيدا حين يختلط مع الميل الطبيعي للجمهور أو النخب لمعادلات التبسيط العقائدي، تارة بالتذكير بأن نظام عبد الناصر دفع ثمن علمانيته وايديولوجيته الاشتراكية الرافضة لعباءة الإسلام السلفي وطورا بالتركيز الشديد على غياب الديموقراطية والحريات في المشروع الذي قاد معركتنا مع إسرائيل. لا أعتقد أن مصر الناصرية كان بإمكانها أن تنتصر حتى لو خلت سجونها لحظة المعركة من مساجين الرأي وضحايا الاستبداد ولا أعتقد أيضا لو أن أعلام مصر كانت ستخفق نصرا وعلوّا لو أنها تزينت كغيرهالاحقا بجمل الالتزام الديني. هزيمتنا أعمق من اختزالها في قوالب تبسيطية تتمايل مع نزوات الخلفية العقائدية لأصحاب سلطة التعليق والتحليل لأنه من المضحك أن تستمع لأصولي يردّ كل أسباب الهزيمة لصدام ناصر مع الأصوليين أو يساري يفسّر ويعلل النكسة بغياب النضج الطبقي والسياسي لمشروع اشتراكية عبد الناصر!!! صور الأسرى في صحراء سيناء تماما كما صدور الجنود العراقيين في صحراء العراق تلخص سيميائيا عمق الهزيمة ومقدماتها الحقيقية. الجوع، الكبت، الفقر، الأميّة، المرض، المجتمع المزيّف، كلها عناوين رئيسية لأسباب الهزيمة، من يريد التعمّق أكثر ما عليه - وهذا من باب المفارقات - إلا أن يقرأ تقريرالتنمية البشرية حولّ العالم العربي سيدرك حينها أن نكستنا في السابق طبيعية جدا وأن النكسات اللاحقة، الحاضرة والقادمة ليست سوى أقدار منسجمة مع ما أردناه. الحرب امتداد للسياسة لكنها أيضا معارك بين مجتمعات قبل أن تكون معارك بين جيوش!