بدأ العدّ العكسي لدى الكثير من المترشحين المحتملين للإنتخابات البرلمانيّة والرّئاسيّة القادمة حيث أطلق البعض العنان لحملات إنتخابيّة سابقة لأوانها علّهم يظفرون بإقناع ناخب مُحتمل. وفي واقع الأمر يبدو واضحا أن بعض التحركات التي يخوضها بعض الوزراء تندرج في إطار العمل اليومي «لمعالي الوزير» غير أنه وبمجرد التعمق فيها يتبين ولا مجال للشك أن ذلك يدخل ضمن دائرة الإقناع المبطن للناخبين. فقد تداول عدد من مستعملي المواقع الاجتماعية عدة صور يظهر من خلالها وزراء من الحكومة أمام آلات التصوير أثناء أدائهم لفريضة الصلاة داخل مقر الوزارة الأولى وهو ما اعتبر حملة سياسية بجبة دينية. كما كثرت في الآونة الأخيرة التجمعات الشعبية لبعض الأحزاب التي تعمل على حشد أنصار لها من كل حدب وصوب لتعطي انطباعا لدى البسطاء بجماهرية الطرف دون أن يكون ذلك كذلك في كثير من الأحيان. وإذ لا ينكر البعض أحقية هؤلاء في الإقناع المتستر تحت شعار ومقولات ميكيافلية «الغاية تبرر الوسيلة» مادامت الرئاسة والبرلمان هما الهدفان المحتملان وإن كان ذلك على حساب المبادئ التي يتباهى بها بعضهم في كثير من الأحيان، فان آخرين لا يرون في ما تقدم إلا مبالغة لا مبرر لها وما هي إلا محاولات للتشويه والإرباك لا غير. وفي هذا الإطار يقول عضو المكتب التنفيذي ورئيس لجنة الإعداد للمؤتمر بحركة النهضة رياض الشعيبي:» لا أتصور أن ما يدور يدخل في إطار حملة انتخابية أصلا ذلك أن الحملات الانتخابية هي بمثابة عقد بين السياسي والجمهور الذي هو في الواقع غير مستعد الآن لتلقي أي رسائل.» ورد الشعيبي على المتكلمين عن الحملة الانتخابية قبل الأوان والذين يتهمون وزراء»الترويكا» بالسعي إلى إقناع الناس بالتصويت لهم في الانتخابات القادمة قائلا:» أن ما يقوم به الوزراء يدخل في إطار مهامهم كمسؤولين حكوميين وما التحركات الميدانية إلا دليل واضح على ما يحمله الوزراء من مسؤولية حيث أنهم يسعون إلى المشاركة بأنفسهم فيما يخص المواطنين .» البحث عن زبائنية جديدة من جهته يجزم العضو المؤسس لنداء تونس محسن مرزوق « اننا امام حملة انتخابية قبل أوانها حيث السعي إلى تلميع صورة وتقديمها بشكل جديد وعلى حساب انجازات مبرمجة سابقة دون أن يكون للمجموعة القائمة الان أي دخل فيها .» وأضاف مرزوق « أوج مظاهر الحملة الانتخابية برز من خلال حادثة العبدلية أما على المستوى الرمزي فلأول مرة اعرف أن الوقوف أمام عدسات التصوير الفوتغرافي شرط من شروط الصلاة بالنسبة لبعض الوزراء.» واعتبر مرزوق أن «كل شيء منصبٌ على المرحلة الانتخابية القادمة وهم على استعداد لاستعمال المال العام والشأن الديني لغرض سياسي انتخابي» مضيفا :» حتى المشاريع التنموية يتم استغلالها للترويج السياسي بحثا عن زبائنية جديدة تماما كما كان يفعل حزب التجمع.» كلام منطقي بدوره لم ينف الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية 14 جانفي جلول عزونة وجود حملة انتخابية سابقة لأوانها حيث اعتبر» أن الحديث عن حملة انتخابية سابقة لاوانها كلام منطقي نظرا لان الموعد الانتخابي القادم ليس بعيدا نسبيا.» وأضاف عزونة « كان من المفترض أن يكون البحث عن التوافق بين كل الأطراف قائما حول فصول الدستور ومحتواها وطبيعة النظام السياسي القادم ولكن الحكومة بتركيبتها الحالية جعلت الساحة السياسية منقسمة بين حاكم ومعارضة في حين أن المرحلة تفترض البحث عن التوافق في هذه الفترة الانتقالية.» الدعاية المستعملة وعن تقنيات الدعاية الانتخابية المستعملة في هذه المرحلة الانتقالية قال أستاذ علم الاجتماع السياسي طارق بالحاج محمد «أن الحملة الانتخابية انطلقت منذ الأسبوع الأول لإعلان نتائج انتخابات 24 أكتوبر ولم تتوقف حتى الآن سواء كان الأمر في أحزاب الحكم أو المعارضة.» وبين بالحاج محمد أن الحملات الانتخابية يختلف شكلها حسب الطرف اذ تسعى الحكومة وأحزابها إلى استعمال الدعاية عن طريق الصور وإظهار الجانب الشخصي لأعضاء الحكومة أما أدوات المعارضة في الدعاية فتبرز من خلال معارضة كل ما تقوم به الحكومة وفي غالب الأحيان دون بديل واضح بالإضافة لاستعمال منبر المجلس التأسيسي للظهور كقوة مضادة وكضحية في كثير من الأحيان.» الباجي يربك المشهد واعتبر المتحدث أن ظهور مبادرة الباجي قائد السبسي قد أربكت كل من المعارضة والحكومة وقد اثر ذلك على تحركاتهم الدعائية الأمر الذي أدى إلى تغيير واضح في الأدوات التقليدية للدعاية السياسية للطرفين، فبالنسبة للطرف الحكومي فقد بات يقدم نفسه الوحيد المعبر عن الثورة وبالتالي أصبح يحتكرها لنفسه دون سواه وكل نقد للحكومة وإبراز لأخطائها أو اختلاف معها بات يصنف في إطار الثورة المضادة والخيانة والانقلاب، وهو ما يسمى في العلوم السياسية «بالدعاية السوداء» والتي تقوم على شيطنة الخصم وهو ذات الأسلوب الذي استعمله بن علي لضرب المعارضة.» أما فيما يتعلق بالمعارضة فيرى بالحاج محمد أن البعض منها خير التماهي مع هذه المبادرة في حين اختارت البقية تسليط الضوء والتركيز على المستقبل المدني والحداثي لتونس. وخلص المتحدث إلى القول:»بان ما يحدث من حالة استقطاب وصراع سياسي في جميع المنابر هو فعلا حملة انتخابية قبل الأوان لا تعني التونسي في شيء فما يطلبه التونسي هو استحقاقات الثورة والوفاء بالوعود الانتخابية وهذا ما لا نجده في خطاب هذا و ذاك وان حصل فهو من باب المزايدة السياسية.»