كان عليّ أن استقل جرارا بما أنه وسيلة النقل الوحيدة المؤهلة لمعاينة أوضاع سكان ضيعة ليكاري التي لا يفصلها عن منوبة سوى 4 كيلومترات و التي يتساءل متساكنوها إلى أي ولاية هم يرجعون بالنظر فمرة يقال لهم إنهم يتبعون إداريا ولاية تونس و مرة أخرى ولاية منوبة. ضيعة ليكاري على حالها منذ العهد الاستعماري تعيش 16 عائلة ظروفا مأساوية في ضيعة ليكاري و هي ضيعة كانت على ملك احد المعمرين استوطن فيها الأجداد و الآباء للعمل ك«خماسة» وكمزارعين و أجراء في ضيعات «المعمرين» ليكاري و مورانا و كليما» و أفنى جيل الآباء و الأبناء العمر في فلاحة و زراعة الأرض وكان نصيبهم الحرمان و البؤس والفقر المدقع. ورث الأبناء عن الآباء الفقر وظروفا معيشية صعبة لم تتغير قيد أنملة منذ خروج الاستعمار الفرنسي حيث يعيش السكان في ضيعة معزولة ويمثل الجرار وسيلة النقل الوحيدة المتاحة في الضيعة و لا تستطيع سيارات التاكسي دخولها نظرا لوعورة الطريق الرابطة بينها وبين سيدي عمر حيث عاينا انتشار الحفر و أكداس الفضلات و الكلاب السائبة كما أن الضيعة تصبح منطقة معزولة خاصة اثر نزول الأمطار و قد عاينا أثناء عودتنا أيضا كيف تحول الجرار إلى وسيلة نقل عمومية استقل جنباته الأطفال الصغار والصبايا المتجهون إلى منوبة غير مبالين بالمخاطر كما لا يتوفر بالضيعة لا مستوصف ولامدرسة و لا مرافق عيش أساسية. عائلات بدون ماء.. و لكن الفقر مدقع !! استقبلنا على مشارف القرية بعض الشباب و الأطفال الذين كانوا بصدد تجهيز بعض الحمير لجلب المياه من حي «وستيل»المجاور نظرا لعدم توفر مياه صالحة للشرب في الضيعة كما لا يتوفر النور الكهربائي في معظم المنازل التي يتقاسم سكانها عداد النور الكهربائي الذي يعود تاريخ انجازه إلى عهد المعمرين. منازل متداعية و شقاء اجتماعي يعود المشهد المعماري في ضيعة ليكاري إلى الحقبة الاستعمارية حيث يقيم سكان الضيعة في منازل ورثها الآباء عن المعمرين و هي منازل قديمة متهالكة و مسقفة بالقرميد الأحمر الأيل إلى السقوط، فمنزل السيدة شريفة الميموني الذي زرناه هو منزل على وشك التداعي تبرز على جنباته الشقوق و التصدعات ونوافذه خشبية ومحطمة وهومكون من غرف ضيقة كست جوانبها الرطوبة و غزتها الفئران و الثعابين حسب شهادة صاحبته. اما منزل السيدة ناجية السماتي (62سنة ) فهو كذلك منزل يكاد يسقط فوق رأسها عند هبوب الرياح حسب ذكرها و قد أرتنا الحفر التي ثقبتها في حائط غرفة نوم ابنها و في بهو المنزل لكي تتمكن من تصريف المياه التي تغمر المنزل شتاء اثناء نزول الأمطار. أما الشاب الحبيب الغانمي ( 30 سنة) فلقد اجبر نتيجة قلة ذات اليد على السكن هو و عروسه في منزل قديم متداع للسقوط لا يتوفر فيه لا ماء ولا نور كهربائي. ولاحظت «الصباح» كيف تكسو جدرانه الشقوق و الرطوبة و تنبعث منه رائحة عطنة. ولم يتمالك الحبيب نفسه عن التساؤل بالقول: « هل نحن آدميون؟...هل ترضى دولتنا أن يعيش أبناؤها هذه الوضعية المزرية ونحن في سنة 2012. عائلات مهددة بالترحيل لم يسلط على ضيعة ليكاري إلا الغبن التنموي في غياب المرافق؛ فلا مسكن لائقا و لا ماء صالحا للشرب ولا نوركهربائيا ولا مدرسة و لا طريق مبلطة ! بل هناك قانون المضاربات العقارية مسلط على السكان حيث صدر ضدهم حكم قضائي لصالح الوكالة العقارية للسكنى يأمرهم بالرحيل من الضيعة التي رسخهم فيها المعمّر و استنزفت فيها طاقات الآباء والأجداد في العمل و الكد و الحرث و الزرع و هم الآن تحت «الحيوط «ينتظرون قرار الترحيل. و قد أكد السيد عزالدين الحاجي قائلا :إن» آباءنا لم يستولوا على هذه الأرض التي استوطنوها منذ عهد الاستعمار و سقوها بعرقهم « وهاهي الدولة اليوم تطالبهم بالخروج و الرحيل عن الهكتار الوحيد الذي يقيمون فيه لان الأراضي المجاورة التي أصبحت بورا تكسوها الأشواك بعد أن كانت تنتج حبوبا وعنبا حسب بعض الشيوخ وقد وقع التفريط فيها لصالح الوكالة العقارية للسكنى. واجمع شيوخ و نساء و شباب الضيعة على أن الأرض استنزفتهم و لم توفر لهم عيشا كريما غير شيخوخة متعبة وقاسية أغرقتهم في الشقاء و لكنهم متشبثون بها. كما أكد بعض المتساكنين على أن سكان الضيعة « إذا خرجوا منها هلكوا « لان لديهم موارد رزق فيها و يعيشون من العمل فوق الأرض منذ كانت على ملك المعمر و ليس لديهم مجال و نشاط خارج إطار الضيعة. تجاهل المسؤولين و سياسة الوعود أبدى سكان الضيعة امتعاضهم من تردي وضعيتهم متسائلين «: هل نحن توانسة ؟» مستخفين بسياسة الوعود والتسويف والتمني التي يعتمدها تجاههم المسؤولون الجهويون بمنوبة وقد عيل صبرهم من كلمات رنانة من قبيل «توة نلقولكم حل ...توة نشوفولكم حل ...توة نعطوكم ...» وأصر بعض الصبية الذين رافقونا في زيارتنا إلى منازل الضيعة على ذكر أن «مراحيضهم غير آدمية» وهم يتمنون فقط أن يعيشوا مثل بقية الصغار عيشة هنيئة و لا يرومون غير تحسين حالتهم .