بعد أن تواصل غلقه منذ أفريل 2009 أمام الزوار لفسح المجال لأشغال الصيانة والتوسعة والتهيئة يفتتح اليوم، المتحف الوطني بباردو وهو أكبر متحف في بلادنا بعد أن أصبح على نسبة كبيرة من الجاهزية وقد اكتسى حلة جديدة بفضل ما عرفه من توسعة بإضافة أجنحة جديدة وتصبح مساحته في حدود 20 ألف متر مربع بعد أن كانت قبل الأشغال التي لم تكتمل بعد 9 ألاف متر مربع. ويبدو أن إصرار وزارة الثقافة ممثلة في الهياكل المشرفة على تنفيذ هذا المشروع الذي انطلق منذ سنة 2003 بإعلان فتح أبواب المتحف رغم أن أشغاله لم تكتمل بعد يعد قرارا متسرعا ومرتجلا وغير مدروس على نحو لا يمكّن هذا المكسب التراثي والحضاري من آداء مهمته المتمثلة في دعم السياحة في بلادنا على النحو المطلوب نظرا للنقائص المسجلة في الفضاء على غرار عدم توفر التكييف وتواصل الأشغال وعدم توضيب القطع الأثرية في أماكنها... وقد تبين ذلك في الزيارة التي نظمتها وزارة الثقافة بالتعاون مع إدارة المتحف الوطني بباردو في سهرة أول أمس خصصت للإعلاميين والناشطين في قطاع المتاحف والآثار بحضور الأطراف والجهات التي أشرفت وساهمت في تنفيذ هذا المشروع الذي قدرت تكلفته الجملية حوالي عشرين مليون دينار توزعت بين 16 مليون دينار خصصت للبناء و4,2 للتهيئة المتحفية. وقادت هذه الزيارة المهندسة المكلفة بالمتابعة الفنية للمشروع ألفة الحاج سعيد. وتجدر الإشارة إلى أن انجاز المشروع تم بأياد مهندسين وخبراء في المتاحف والآثار من فرنساوتونس مثلما أكدت ذلك هذه الأخيرة. وتولى الإجابة على مختلف التساؤلات حول هذا الانجاز في جلسة خاصة كل من رضا قاسم بصفته المدير العام لوحدة مشروع إدارة وإحياء التراث الثقافي والمدير العام لوكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية وعدنان الوحيشي المدير العام للمعهد الوطني للتراث وسمية غرس الله مدير المتحف الوطني بباردو وعبد اللطيف مرابط مكلف بالتراث لدى وزير الثقافة والحبيب العوني مدير الديوان. وتجند كل هؤلاء للحديث عن المشروع وكشف حيثياته التنظيمية والعلمية والتجارية. افتتاح قبل الافتتاح لئن قدم عدنان الوحيشي المتحف الوطني بباردو كعنوان للهوية التونسية بعد أن أصبح مساحة تعبر عن المحطات الحضارية الكبرى التي تعاقبت على بلادنا بدءا بالجذور البربرية وصولا إلى الحضارة العربية الاسلامية، فإنه اعتبر هذا المنجز في حلته الجديدة بانه يرتقي إلى مصاف المتاحف العالمية على نحو يمكن من الترفيع في طاقة استيعاب إلى حدود مليون زائر سنويا بعد أن كانت في حدود النصف ليصبح فضاء ثقافيا متكاملا لاسيما أن عمليات التجديد أسفرت على إضافة فضاءات حديثة متناغمة مع العمارة القديمة للقصر. علما بان هذا المتحف سيتم تدشينه خلال شهر أكتوبر القادم في احتفال يجعل من افتتاحه حدثا وطنيا وعالميا تحضره شخصيات ثقافية وعالمية. وأكدت مديرة المتحف سمية غرس الله أن عملية رقمنة القطع الأثرية التابعة لهذا الهيكل أو التي تم استرجاعها مؤخرا لا تزال جارية من أجل حفظ هذه القطع وحمايتها من السرقات والضياع لاسيما في ظل التوجه للجديد للمتحف بتنظيم معارض في بلدان أخرى من أجل الترويج للتراث والسياحة الثقافية الوطنيين. فيما علل رضا قاسم اختيار توقيت فتح أبواب المتحف أمام الزوار بغرض المساهمة في تنشيط قطاع السياحة عامة ومجال السياحة الثقافية خاصة وأن الثقافة عنصر أساسي في تنمية البلاد وتوعية الشعب والترويج لصورة تونس في الداخل والخارج. واعتبر ان إصرار وكالات الأسفار وديوان السياحة على فتح أبواب المتحف من العوامل التي دفعت جميع الأطراف للتعجيل بقرار الفتح. من جهة أخرى أجمع ممثلو الهياكل الرسمية على أنه تمت مراعات جملة من الجوانب التنظيمية ووضع الاستراتيجية الكفيلة بتطوير دور هذا المتحف نظرا لما يحتويه من قطع أثرية وفسيفساء تجذر بلادنا في التاريخ والحضارة بإضافة ستة أجنحة جديدة يمثل كل وجناح فترة تاريخية معينة. كما عرف المتحف تعصير فضاءات العرض من خلال اعتماد تقنيات إضاءة وعرض متطورة مثلما ما هو معمول به في أكبر المتاحف العالمية على غرار "اللوفر" في فرنسا. فضلا عن تدعيم البنية الأساسية للمتحف بمختلف التجهيزات والفضاءات التي تسمح بتيسير استقبال الزوار وتنظيم الزيارات والرفع من طاقة الاستيعاب وتطبيق مواصفات السلامة الخاصة بالجمهور وبالمعروضات وبالبيانات. مثلما أفاد بذلك عبداللطيف مرابط بكشفه ان وزارة الثقافة بصدد إعداد خارطة سياحية للمتاحف على غرار متاحف باردو وسوسة وجربة وذلك بإدخال تعديلات في نظام عملها ونشاطها لتكون دعامة فعلية في التنمية في بلادنا. كما أكد الحبيب العوني على توجه سلطة الإشراف لخلق تقاليد جديدة تمتن علاقة التونسي بالتراث من خلال الدراسات التي ينكب عليها المعهد الوطني للتراث ووكالة احياء التراث والتنمية الثقافية من اجل تحديد اتفاقية بين وزارة الثقافة ووزارتي التربية والتعليم من أجل تنظيم رحلات دورية للتلاميذ والطلبة سواء إلى متحف باردو أو غيره من المتاحف والفضاءات التراثية ببلادنا. إضافة إلى دور وزارة السياحة في تنشيط هذا المجال خاصة أنه تم إعداد برنامج تنشيطي شامل للمتحف يتمثل في تنظيم معارض وندوات وأنشطة وورشات بصفة دورية للمساهمة في تنشيط هذا المكسب الحضاري والثقافي.