إصرار تنظيم القاعدة في العراق على تبني التفجيرات الدموية الارهابية التي استهدفت العراقيين يوم الاثنين الاسود وحرص الجماعة على اعلان ذلك في بيانات نشرت على المواقع الالكترونية من شأنه أن يدفع للاعتقاد بأن عديد التقارير والتحذيرات المتواترة بشأن تنامي نفوذ هذا التنظيم قد لا تكون مجرد قراءات لواقع افتراضي وأنها على العكس من ذلك باتت تؤشر الى تفاقم خطر الجماعة التي كانت حكومة المالكي المتهالكة سارعت قبل فترة بالاعلان عن فشلها وهزيمتها قبل أن يتضح العكس. بل ان في حرص الجماعة على اصدار البيانات ومنح الحركة صفة وزارة حرب قد يحمل في طياته رسائل وإشارات بأن هجوم الاثنين الأسود قد لا يكون حدثا منفردا وأن المرحلة القادمة قد تشهد المزيد من تلك الهجمات الارهابية الدموية الاجرامية المعادية لحق الانسان في الحياة. ولعل في قوة العمليات التي استهدفت أربع عشرة مدينة عراقية في وقت واحد وفي دقة التنسيق بينها وحجم الخسائر البشرية والمادية التي خلفتها من شأنه أن يؤكد أنه لا مجال للصدفة فيما حدث وأن الامر يتعلق بمجموعات متعطشة للدماء والقتل والدمار والخراب ومتواطئة مع كل ما يمكن أن يدفع بالعراق الى العودة الى الوراء والسقوط في قيود الجهل والتخلف والتصحر الفكري والديني والعلمي والثقافي. ولا شك أن الاخطر في تفجيرات العراق وأن التنفيذ سبقه تهديد علني ولم يفصل بين التهديد والتنفيذ سوى ساعات معدودة ولكنها كلفت العراق المثقل بالهموم مزيدا من الجروح التي لا يمكن أن تندمل. بيان تنظيم القاعدة في العراق الاسلامي الذي ورد تحت دعوة مريبة «بهدم الاسوار» وإعلان الجهاد الجديد حملت توقيع الشيخ الملقب بأبي بكر البغدادي الذي أعلن في بيانه «أن وزارة الحرب في دولة العراق الاسلامية استنفرت أبناءها وانطلقت كتائب المجاهدين ومفارزهم العسكرية والامنية في غزوة مباركة جديدة في غرة شهر رمضان» قبل ان يضيف البيان أن العمليات الجهادية المتزامنة والمنسقة طول البلاد وعرضها أذهلت العدو وأسياده وأفقدته عقله وصوابه وأظهرت فشل الخطط الامنية والاستخبارية التي ملأ الدنيا بها ضجيجا وجعجعة». الارهاب يضرب العراق مجددا والاجماع الدولي على رفض كل الممارسات الارهابية لا يغير من المشهد شيئا، النزيف الدموي في العراقي يأبى أن يتوقف أو حتى أن يمنح الشعب العراقي مهلة يسترد معها أنفاسه ويستريح من عناء الحرب والاستنزاف ويستعيد بعض ما ضاع على مدى عقود من الاستبداد والفساد والاجتياح, من سيادته وأمنه وكرامته وذاكرته الانسانية والحضارية والثقافية المصادرة... ما يحدث في العراق ليس بمنأى عما تشهده مناطق عديدة وربما لا تكون الصدفة وحدها قد شاءت أن يعود تنظيم القاعدة ليضرب بهذه الطريقة في بلاد الرافدين بالتزامن مع صحوة التنظيم في أفغانستان وباكستان وفي شمال افريقيا وربما لا تكون الصدفة وحدها أيضا وراء تعدد التحذيرات من شبكات تنظيم القاعدة التي تتهيأ لجمع صفوفها على الحدود بين تركيا وسوريا تحسبا لسقوط نظام الاسد... الواقع أن مؤشرات كثيرة باتت ترجح أن ما يحدث قد لا يكون سوى نتيجة حتمية لعقود طويلة كانت فيها الهيمنة المطلقة للاقوياء على الضعفاء وسيطرة الجهلة والمفلسين على العلماء والحكماء وصعود المجانين على العقلاء مرحلة قد لا يكون بالامكان التغلب عليها وتجاوز تحدياتها الراهنة قبل أن تزول كل التناقضات الحاصلة ويكون للعاقل والحكيم والاكثر كفاءة وعدالة وقدرة على ادارة الحكم المكانة التي يستحق والتي يجب أن يتبوأها في مجتمعه...