عكس عرض الفنان البريطاني ذي الأصول اللبنانية ميكا على ركح المسرح الأثري بقرطاج في سهرة أول أمس ما حققه هذا الفنان الشاب من نجاح وصيت عالميين في السنوات الأخيرة في آدائه لموسيقى "البوب" و"الروك" و"الصول" أهلته ليكون من بين أكثر الفنانين طلبا في العروض والبرامج التلفزية في بلدان أوروبية وأمريكية رغم أنه لم يدرك بعد العقد الثالث من عمره. إذ تكفي الإشارة إلى توافد أعداد كبيرة من الجماهير أغلبهم من الأطفال والشباب على المسرح منذ وقت مبكر من توقيت العرض لإثبات أن صدى أعمال هذا الفنان ونجاح ورواج أغانيه في بريطانيا وأوروبا خلال السنوات الأخيرة قد وصلت التونسيين بقوة. وبدا ذلك بيّنا من خلال ما وجده ميكا من انسجام سريع مع الجماهير الحاضرة التي سريعا ما انخرطت مع أجواء الحركة والغناء والرقص التي أثبت هذا الفنان أنه قادر على قيادة والتحكم في عروضه مهما اختلفت لغة وجنسيات الجمهور ديدنه في ذلك لياقته البدنية وحضوره الركحي وثقافته الموسيقية ونوعية الأغاني التي يؤديها والتي يفسرها على أنها تعبيرته الخاصة عن الحياة وما يكتنفها من علاقات ببعض القيم والقضايا التي يجسدها على طريقته باعتبار أنه من يكتب كلمات أغانيه ويلحنها ويغنيها. و مثلما أكد هذا الفنان أن أعماله تجسد وتكشف ما تعرض له في طفولته وشبابه من صعوبات أثرت على نفسيته وحياته فإن العرض بدوره كان عبارة عن مشاهد مختزلة لحياة هذا الفنان المتقلبة حوّل خلالها الفضاء ومن فيه إلى ما يشبه عالمه الضيق تحدث عن نفسه وعائلته وأصوله وكشف عما تعرض له من صعوبات وعن أحلامه وطموحه وخياره الموسيقي ودور الوسط العائلي الاجتماعي المبني على الحرية والديمقراطية في نجاح الأفراد والمجموعات ومنها الشعوب. تأكيد على الجذور العربية وتجسد ذلك بالأساس في تراوح أغانيه بين اللوم والاعتراف بالجميل والحب سواء في الغناء لجدته التي علمته التكلم بالعربية أو لكل من لعب دورا حاسما ومصيريا في حياته الفنية. فغني من ألبومه القديم life in cartoon motion أو "الحياة في حركة كرتونية" ما تضمنه من أغاني كانت الجماهير الحاضرة ترددها معه على غرار " الحب اليوم " love today و"الرقص" وغيرها من الأغاني التي تؤثث عروضه الفرجوية. فلم يكتف ميكا في هذا الحفل بشد الجمهور لغنائه ومخاطبته له باللغتين الفرنسية والأنقليزية بل تجاوزها ليحول الركح إلى مشهد مسرحي جسد فيه مضامين أغانيه بالرقص والقفز والجري والاستلقاء على الأرض كان للاضاءة دورا في ذلك فبدا سريع الحركة ويجوب الركح جيئة وذهابا بخفة مما حول الإطار إلى ما يشبه حالة حياة استثنائية كانت أقرب إلى الهيستيريا شاركه فيه الجمهور إلى حد أن البعض رشقه بملابسه. علما أن ميكا(واسمه الحقيقي مايكل بينيمان) ينحدر من أم لبنانية سورية وأب أمريكي ولد بلبنان ونشأ بفرنسا بعد اضطرار عائلته لمغادرة البلاد هروبا من الحرب الأهلية مثلما أكد ذلك ثم استقر بلندن. و عبر ميكا إثر نهاية العرض عن سعادته بلقاء الجمهور التونسي خاصة أن جل الحاضرين يحفظون أغانيه. كما لم يخف تمسكه بجذوره العربية وتحديدا اللبنانية والسورية. وبيّن في ذات الإطار انه يتابع بصفة يومية تطورات الأحداث في البلدين وأنه على اتصال ببعض أقاربه في سوريا وعبر عن تخوفه من تداعيات الأحداث على الشعوب التي تطمح إلى الحرية لأنه يرى أن هذا المكسب هو الطريق الوحيد إلى الابداع والتمتع بمعاني الحياة. وهو ما يحاول ويعمل على تجسيده في أعماله. من جهة أخرى اكد انه لا يمانع في التعامل مع الأغنية العربية من خلال فسح المجال للفنانين العرب لبحث أعمال مشتركة.