ارتبط اسم قابس بالرمان والحناء والتبغ وشتى أنواع الغلال والخضر الفصلية التي تنتجها واحاتها البحرية الفريدة من نوعها بحوض البحر المتوسط والممتدة على طول سواحلها من العكاريت شمالا إلى مارث جنوبا والتي ركز عليها المؤرخون والرحالة الذين أطنبوا في وصف جمالها وخصائصها الطبيعية الخلابة وقال فيها المرزوقي بأنها "جنة الدنيا" وبقت الواحة إلى حد الستينات مورد رزق لجل العائلات القابسية لإنتاجها المتميز كما وكيفا من الغلال والخضر والعلف الأخضر للماشية وبأقل كلفة باستعمال الأسمدة الطبيعية والتزود بحاجتها من الماء مجانا لتوفر العيون الارتوازية بكامل مناطق الجهة لكن كما يقول المثل "دوام الحال في المحال "فقد بدأت أتعاب الواحة منذ السبعينات وبالتحديد منذ تركيز الصناعات الكيميائية وسط الواحة الشمالية لمدينة قابس (بين غنوش وشاطئ السلام وبوشمه)حيث توجه الشاب إلى القطاع الخدماتي والأجر المنتظم والضمان الاجتماعي عازفا عن النشاط الفلاحي وبذلك بقت عدة مساحات مهملة كما اثر التلوث الهوائي الذي أفرزته المعامل على الغرسات والمزروعات القريبة منه وحتى على صحة مالكيها الذين اضطروا لهجرها "مرغمين لا أبطال"عنصر ثالث ساهم في تردي حالتها وهو النقص الكبير في مياه الري التي أصبحت متأتية من أبار عميقة و بمقابل عجز الكثيرون عن توفيره .وعجزت البلديات وبقية السلط المعنية لإيقاف نزيف البناء العشوائي داخلها نظرا لثمنها الزهيد أو بتعلة تشتت الملكية وتقلص المساحات التي لم تسمح بالنشاط الفلاحي ومما زاد الطين بلة في السنوات الأخيرة غزو الواحة من طرف الجرذان والحلوف .ونتيجة لهذه العوامل فقد تقلصت مساحة الواحة في ظرف ثلاثة عقود بأكثر من ألف ومائتي هكتار (1200هك) ونظرا لأهميتها البيئية والجمالية والاقتصادية والاجتماعية فقد تعالت أصوات مثقفيها وعديد المنظمات المحلية والدولية للإسراع بحمايتها من جميع أشكال التجاوزات فهل يمكن تحقيق ذلك قبل أن تندثر وتبقى قابس وأجيالها القادمة بدون واحة؟