لماذا لم يحسم الأمر بشأن تحديد المرشح الرسمي للحزب الديموقراطي في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية التي تقام خلال شهر نوفمبر من العام الجاري منذ "الثلاثاء العظيم" (أول أمس) الذي أقيمت به انتخابات تمهيدية بحوالي 20 ولاية أمريكية بالنسبة للحزبين الديموقراطي والجمهوري. إذ أنه على الرغم من صدور النتائج بما في ذلك نتائج كاليفورنيا التي تعتبر مؤثرة نظرا للعدد الكبير من ممثلي الحزبين بها فإنه لا يمكن معرفة ما إن كانت السيدة هيلاري كلينتون (سيناتور عن نيويورك) التي حققت انتصارا بالولايات الكبرى ومن بينها كاليفورنيا وتقدمها على منافسها السيد باراك أوباما (سيناتور بالإلينوا) هي التي من المرجح أن تكسب السباق في نهاية الأمر. لأنها وفق تفاصيل النتائج الي نشرت عبر مختلف المواقع بالإنترنيت عندما تحقق فوزا في ولاية ما فإنها لا تتقدم على منافسها بشكل كبير في حين أن أوباما كلما حقق فوزا في ولاية ما إلا وكان قد تجاوز منافسته بنقاط كثيرة مما يسمح له بتعديل الكفة من حيث عدد أصوات الممثلين الرسميين للحزب. ورغم أن السباق كان هاما يوم الثلاثاء فإنه مازال الوقت طويلا أمام المترشحين الديموقراطيين. حاليا تتمتع هيلاري كلينتون بأسبقية ضعيفة ولكن أمامها نصف السباق تقريبا كي ينصبها حزبها كمرشحته الرسمية في الإنتخابات القادمة. في الأثناء يمكن أن تتغير المعطيات بالنسبة لأوباما. أما بالنسبة للجمهوريين فإن الأمر أقل تشويق مما هو عليه لدى الديموقراطيين فالسيد جون ماكاين (الأريزونا) أن هو مازال لم يتأكد نهائيا من تمثيل الحزب الجمهوري رسميا في هذه الإنتخابات فإنه يتمتع بأسبقية مريحة عن بقية المترشحين وخاصة منافسه المليونير رومني. تشويق وتردد لماذا يسود التشويق إذن بخصوص تعيين الحزب الديموقراطي لمرشحه في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة؟ قبل محاولة تقديم بعض عناصر الإجابة عن هذا السؤال لا بد من الإشارة أن الإنتخابات التمهيدية لإختيار مرشح رسمي لكل من الحزبين الرئيسيين اللذين يتنافسان على الفوز بمنصب الرئيس للولايات المتحدةالأمريكية تبدو هذه المرة صارمة جدا. فإن كان في الماضي يتم الإقتصار على الولايات التي تعتبر مفاتيح فإن الإنتخابات التمهيدية الجارية تتخذ طابعا شبه وطني وهي تتطلب من المترشحين جهدا كبيرا وبالخصوص نفقات هائلة قد تكون سببا في استنزاف جزء من الموارد المرصودة للحملة الإنتخابية النهائية خاصة وأن الجانب المادي يكتسي أهمية بالغة بالنسبة لمختلف المواعيد الإنتخابية بالولاياتالمتحدة وعادة ما تكون الموارد المالية حاسمة في مسألة نجاعة الحملات الإنتخابية من عدمها. ومن التقاليد المعروفة بالولاياتالمتحدة أن المترشحين للإنتخابات يحرصون على استقطاب الأشخاص واللوبيات ذات القدرة على جمع التبرعات من الأموال بالإضافة إلى ذوي النفوذ والتأثير في الناخبين. وإذ يعول المرشحون كثيرا في حملاتهم الإنتخابية على الإشهار التلفزي وخاصة من بينهم غير المشاهير فإن ذلك يكلفهم أموالا طائلة لا يقدر عليها إلا من يحظى بدعم حقيقي من اللوبيات المؤثرة أو الأثرياء. وإذا ما عدنا إلى التشويق الذي يسود الإنتخابات التمهيدية بالنسبة للحزب الديموقراطي فإن هذه الإنتخابات كشفت إلى حد الآن أن باراك أوباما السيناتور الأسمر (والده أصيل كينيا) لم يكن مجرد موضة. كانت السيدة هيلاري كلينتون ولأشهر قليلة قبل انطلاق الحملة الإنتخابية للإنتخابات التمهيدية لحزبها شبه متأكدة من فوز سهل وربما شكل البروز غير المنتظر لأوباما عنصر المفاجأة وكان لذلك دور في احداث بعض الإرتباك من حولها. "توريث" الحكم من جهة أخرى لئن تبدو السيدة هيلاري كلينتون في غنى عن الحملات الإشهارية في عدد من الولايات حيث كانت السيدة الأولى للولايات المتحدة خلال المدتين التي كان فيها زوجها بيل كلينتون رئيسا للبلاد وهو ما يجعلها شخصية معروفة لدى مختلف شرائح الشعب الأمريكي إضافة إلى نشاطها الخاص وخبرتها السياسية (سيناتور عن نيويورك) فإن باراك أوباما قد برهن إلى حد الآن أنه يستطيع أن يحول نقاط الضعف إلى قوة. فإن كان أقل صيتا من منافسته فإن الفضول الذي خلقه من حوله جعل الأنظار تلتفت إليه بسرعة حتى أنه يسرق الضوء أحيانا من منافسته. بخصوص الإمكانيات المتوفرة للرجل تؤكد مختلف الأخبار بالصحف ومواقع الانترنات أنه يحصل على دعم مادي كبير يسمح له بالقيام بحملته الإنتخابية بيسر نوع ما كما إن ما ينعت به من افتقاده للخبرة السياسية (ظهوره منذ أعوام أقل من أصابع اليد الواحدة) تم استثماره ايجابيا فصار أوباما يمثل التغيير المنشود بالبلاد. فإن كان أغلب المرشحين يجرون وراءهم سنينا من العمل بالسياسة وهم يعتبرون بأي شكل من الأشكال يمثلون في صورة فوزهم مواصلة للنظام القديم فإن بروز أوباما كان حديثا جدا. وقد برهن الأمريكيون على أنهم يتوقون إلى التغيير كما جاء في عدد من التقارير الصحفية واستطلاعات الرأي.. إذ يخشى المؤيدون لها أن تكون السنوات التي قضتها هيلاري كلينتون بالبيت الأبيض سلاحا ذو حدين فهي تخدمها في نظر من يحبذ أصحاب الخبرة وهي لا تخدمها لدى الناخبين الديموقراطيين الذين لا يحبذون عودة كلينتون للبيت الأبيض في إطار رفضهم لتداول بعض العائلات على حكم أمريكا وقد يكون لذلك تأثير على النتائج النهائية إذ لا ننسى أن فترة جورج بوش الإبن في الحكم وهو الذي "يخلف " والده جورج بوش الأب لا تعتبر إيجابية وهي بالتالي لا تشجع عددا من الناخبين على تكرار تجربة "توريث" الحكم ببلادهم. عدة عوامل ذاتية تخدم المرشح باراك أوباما من بينها انتماؤه للجيل الشاب وتمتعه بعدة خصال من بينها الكاريزما - حتى أن بعض الناخبين يجدون أن فيه شيئا من الراحل جون كينيدي- والخطابة إذ أن اجتماعاته الإنتخابية تحظى بإقبال شعبي كبير وتواكبها وسائل الإعلام باهتمام شديد دون أن ننسى جذوره العائلية ليكون في صورة انتخابه أول رئيس أسود للولايات المتحدة وهو أمر مثير في حد ذاته. لا تبدو المهمة يسيرة بالنسبة للناخبين خاصة من الديموقراطيين فهيلاري كلينتون هي بدورها تملك الكثير من الخصال وإن أردتم فهي بدورها يمكن أن ترمز للتغيير فهي وفي صورة انتخابها ستكون أول امرأة رئيسة للولايات المتحدة وربما تكون هذه النقطة في نهاية الأمر الحاسمة في اختيار الحزب الديموقراطي لممثله الرسمي للإنتخابات الرئاسية. فالناخبون أمامهم الآن: إما التصويت لامرأة وهي تبقى سابقة أولى حتى وإن كانت هيلاري كلينتون تتمتع بخصال الرجال وأكثر من ذلك قوة الشخصية إضافة إلى ما تتميز به من دراية بالسياسة الداخلية والخارجية لبلادها وحسن استعدادها لتحمل هذه المسؤولية الكبيرة وفق ما تظهره فهي في كل الحالات تبقى المرأة الشجاعة التي أقدمت على هذه الخطوة الهامة, الترشح للإنتخابات الرئاسية الأمريكية. وإما التصويت لرجل من السود ووهو ما لم يقع من قبل وحتى ولو كانت كل من هيلاري كلينتون وباراك أوباما يملك كل منهما كل الخصال. فإن هيلاري تبقى المرأة الأولى التي قد تصبح رئيسة للبلاد أما أوباما فهو يبقى الرجل الأسود الأول الذي قد يستقر بالبيت الأبيض لمدة أربعة أعوام أو ربما ضعفها. وسواء تم الإختيار على المرشح الرجل أو المرشح المرأة فإن ممثل الحزب الديموقراطي من المرجح كثيرا أن يواجه السيد جون ماكاين مرشح الحزب الجمهوري الذي يعتبره الأمريكيون من أحد أبطال حرب الفيتنام الفاشلة وكذلك من المؤيدين بشدة للحرب على العراق التي يبدو أنها حرب فاشلة أيضا إذ من أبرز أقواله أنه يوافق على بقاء القوات الأمريكية بالعراق 100 سنة إن لزم الأمر.