في الماضي القريب، كانت هناك أربعة اشياء تجعلني أشعر بالحزن والمذلة وحتى الاحتقار لنفسي كتونسي وعربي. أولها مهازل الانتخابات المزيفة المضحكة المبكية التي كنا نعيشها من فترة لاخرى. ثانيها هو مشهد رئيس ما في بلد أوروبي ما، يغادر الحكم اثر الانتخابات ويقف على مدارج القصر الرئاسي مصافحا خليفته الذي أزاحه بفضل أصوات الناخبين ثم يغادر المكان أي الحلبة السياسية ليعود مواطنا عاديا كأيها الناس ويختفي في الزحام بينما ترزح كل الشعوب العربية تقريبا تحت كلكل انظمة دكتاتورية قمعية اغلبها ما فيوزي فاسد. وثالثها هو مرأى طلعة «رئيسنا» السابق، بنظرته الهاربة son regard fuyant، التي تفضح اشياء عديدة من بينها الضعف الفادح في الشخصية الى درجة العجز عن مواجهة النظر في عيون مخاطبيه حتى ولو كانوا من مرؤوسيه وخدمه. هذا الرئيس الجاهل العيي العاجز عن نطق جملة كاملة سليمة بأي لغة من اللغات ولو كانت اللغة العامية. حتى انه لم يعقد طوال حياته سوى ندوة صحفية واحدة واخيرة ولم يدل ابدا بأي حديث مباشر ولم يدع أبدا خلال زياراته للخارج الى أي مأدبة مع الصحافة. اما رابع هذه الاشياء فهو متابعة برنامج «القلابس» les guignols كل ليلة على قناة «كانال بليس» الذي «يهزّئ» كل ممثلي الحياة السياسية والنقابية والرياضية والفنية و يمثل ايضا في حد ذاته «نشرة اخبارية» حقيقية يمكن أن يطلع خلالها المواطن الفرنسي ومهما كان مستواه الفكري والثقافي وهو يضحك على اخر المستجدات الوطنية والعالمية. وإثر الثورة احسست بكرامتنا تعود الينا شيئا فشيئا وغادرني شعور المذلة والهوان خصوصا بعد أن تحصلت ولأول مرة في حياتي على بطاقة ناخب وتوجهت لأول مرة ايضا نحو مكتب اقتراع لادلي بصوتي ك»مواطن» حقيقي فاعل لا كفرد من رعية مغلوبة على امرها ولأنه اصبح لنا رئيس «يتكلم» وله ماض وتاريخ مشرفان ولا «يعورنا» في المحافل الدولية بجهله وعيّه وبتاريخه الأسود وبالمخفي المعلوم من مافيوزيته كما كتب لي قبل الموت ان ارى تداولا سلميا على السلطة مرتين في عام واحد لما غادر محمد الغنوشي الحلبة صاغرا تحت ضغط الارادة الشعبية ثم لما غادرها الباجي قايد السبسي بدوره مرفوع الرأس هذه المرة وسلم مقاليدها بطريقة حضارية في مشهد ما كنت اظن ان الله سيقيّض لي ان اعيشه في حياتي الى حكومة شرعية انبثقت عن ارادة شعبية لازيف فيها. ولما اكتشفت ليلة العيد الماضي... ولأول مرة أيضا جزءا من برنامج «القلابس» على قناة التونسية وتابعت رقصة السيد راشد الغنوشي والدكتور المنصف المرزوقي وغيرهما من «قادة» اليوم تأكدت آنذاك أن عهدا قد ولى وانقضى وأننا نسير حقا على الطريق الصحيحة. إلا أن فرحتي للأسف لم تدم طويلا فما هي الا أيام حتى انطلقت الحملة المسعورة على هذا البرنامج. وبالنسبة لي ونظرا لما سبق أن شرحته فإن الأمر هام جدا وله دلالات عميقة جدا. ولكن حذار من الخلط الذي تريد ان تجرنا إليه السلطة بايقاف سامي الفهري بين البرنامج المذكور وباعث القناة. فأنا شخصيا اعتبر هذا الأخير حقا من رموز العهد البائد بما أنه تعامل مع بلحسن الطرابلسي رأس الأفعى في منظومة الفساد البنعلية الطرابلسية إذ أنني أكن احتقارا ما مثله احتقار لكل من تعاملوا مع «مافيوزيا» النظام السابق من قريب او بعيد وما فتئت أنادي في كتاباتي باستبعادهم من المشهد الاعلامي وبمحاسبتهم حسابا عسيرا اخلاقيا وقانونيا خصوصا اذا ثبت انهم انتفعوا دون وجه حق بالمال العام. الا أن هذه المحاسبة يجب ألا تكون انتقائية وألا ترتبط ايضا بأي حسابات سياسية بل تكون نابعة عن قناعة مبدئية واخلاقية بضرورة استرجاع اموال الشعب المنهوبة باي طريقة كانت وبضرورة استبعاد الفاسدين من المشهد الاعلامي لأنهم يمثلون خطرا حقيقيا على راهن الثورة ومستقبلها.