ثلاثة مواعيد كبرى طبعت بامتياز مشهد الحراك السياسي في تونس على امتداد شهري جويلية الماضي وأوت الجاري... مواعيد أحالت على حقيقة هامة مفادها أن الحياة السياسية في تونس قد تغيرت وأنها لم تعد قائمة على الانتهازية والجبن والزيف وأنه أضحت لنا بالفعل أحزاب وطنية في السلطة والمعارضة تضطلع بدورها كاملا في التأسيس لحياة ديمقراطية حرة... وأنه بالتالي قد تم القطع مع مهزلة «المعارضة» السياسية لا تعارض بل تعاضد !!! هذه المواعيد تتمثل في مؤتمرات ثلاثة من الأحزاب الوطنية، اثنتان منها في الحكم هما حزب حركة النهضة الذي عقد مؤتمره العام التاسع في الفترة ما بين 12 إلى 15 جويلية الماضي ثم المؤتمر الثاني لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية وأخيرا وليس آخرا المؤتمر الاستثنائي للحزب الاشتراكي اليساري... اللافت هنا أن لا أحد من هذه الأحزاب الثلاثة وبخاصة حزب حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية يجوز له أن يمنّ مثلا أو أن يدعي أنه صاحب السبق أو الفضل فيما تشهده الحياة السياسية اليوم من تطوّر وحركية لأنها في ذاتها مدينة في وجودها العلني وفي موقعها المتقدم الذي تحتله على الساحة السياسية لدماء شهداء ثورة 14 جانفي التاريخية ولتضحيات ونضالات أجيال من الوطنيين الذين رفعوا على امتداد نصف قرن لواء مقاومة دولة الاستبداد «الوطني» بوجهيها البورقيبي والنوفمبري... ولعله من هنا تحديدا تتأكد وبدرجة أولى مسؤولية حزبي حركة النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية وحليفهما حزب التكتل من أجل العمل والحريات بصفتها ثالوث حاكم في انجاح عملية الانتقال الديمقراطي والتأسيس لدولة الحريات والقانون والمؤسسات بما تعنيه من قبول بمبدإ التداول على السلطة واحترام أجهزة الدولة ومؤسساتها والامتناع عن «توظيفها» في أي شكل من أشكال العمل الحزبي... إن النزوع نحو «التغوّل» الحزبي مثلا أو محاولة الهيمنة على مفاصل الدولة من موقع السلطة يمثل مدخلا إلى إعادة إحياء النظام الديكتاتوري البغيض الذي ستحترق بناره في النهاية لا فقط التجربة الديمقراطية في الإصلاح والتغيير وإنما أيضا صورة وسمعة أحزاب مناضلة صوّت لها الشعب وائتمنها على مشروع بناء الدولة الديمقراطية الجديدة على أنقاض دولة القهر والفساد... أما عن الأحزاب التي هي في «صف» المعارضة اليوم فمطلوب منها أن تكون بدورها في مستوى ما تتطلبه المرحلة التاريخية من شعور بالمسؤولية الوطنية وأن تضطلع بدورها إلى جانب كل القوى الوطنية الاجتماعية الأخرى في تطوير الحياة السياسية والتمكين للمشروع الإصلاحي تحقيقا لأهداف الثورة ووفاء لدماء شهدائها الأبرار بعيدا عن أية حسابات إيديولوجية أو فئوية ضيقة... فالتاريخ لا يرحم !