تونس:الصباح: يسدل الستار اليوم على أشغال منتدى الفكر المعاصر المنتظم ببادرة من مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات ومؤسسة كونراد أديناور بتونس حول "من أجل مقاربات جديدة للتعاون السياسي والعلمي في المغرب العربي" وشهدت أشغال هذا المؤتمر حضور عدد كبير من الجامعيين والمثقفين من تونس وبلدان عربية ومغاربية وتميزت الجلسات العلمية بجدل ساخن ونقاش ثري وحوار مفيد.. ونظرا لأهميته توافيكم "الصباح" في هذه الورقة بنقل لبعض المداخلات.. الرجل المريض بين الأستاذ محمد مواعدة أن ندوة "من أجل مقاربات جديدة للتعاون السياسي والعلمي في المغرب العربي ترنو إلى التعمق في الأسباب التي أدت إلى "اللامغرب" أو إلى هذا "الرجل المريض" كما يصفه البعض مقارنة بالوضع الإقليمي والدولي.. وبين أنه يصعب التفاؤل ببناء اتحاد مغاربي.. ولكن في المقابل هناك تاريخ مشترك لهذه المنطقة الجغرافية يربطها منذ قرون خلت. وذكر أنه من المعوقات التي عرقلت قيام المغرب العربي هي قضية العولمة.. فهي على حد تعبيره تهدد المغرب العربي وكل التوجهات الحضارية.. فهذا الاتصال الفردي عن طريق الانترنيت مع كل العالم هو مؤشر للقضاء على أي انتماء حضاري أو جماعي حيث بدأت علاقات المرء مع المحيطين به جغرافيا تتقلص رويدا رويدا مقابل إقامة علاقات مع آخرين في بلدان أخرى. وذكر الأستاذ مواعدة أن هناك عبارة المغرب العربي وهناك عبارة المغرب الإسلامي وعبارة المغرب الكبير وبين أن هناك دعوة إلى إقامة مغرب إسلامي ومغرب كبير وهو معطى يجب ألا نتجاهله عند تشخيص الوضع. وأكد المؤرخ أحمد الجدي على وجود اختلاف في المقاربات ويرى أن قضية مشروع تاريخي مثل وحدة جهوية أو إقليمية في المغرب العربي أو المغرب الإسلامي أو المغرب الكبير لا يمكن أن تنجح في ظل دولة قطرية.. وقال إنه لم يحدث في التاريخ تنازل الدولة القطرية عن المشاريع الكبرى إلا في أوروبا. وذكر أن ما يوحد بلدان المغرب العربي هي المشاكل الديموغرافية والاقتصادية والصحية وغيرها.. فالدولة القطرية في المغرب هي المسؤولة تاريخيا عن عدم انجاز هذا المشروع في ظل عولمة لم يبق فيها للدولة القطرية إلا المهمة الأمنية. ذريعة وبين الأستاذ نجيب زروالي وارثي أن هناك مشاكل مشتركة في المغرب العربي وهي الماء والصحراء ولكن هناك أيضا مشكلة التصحر التي تهدد الأمن الغذائي وليس فقط الاكتفاء الغذائي وذكر أنه لا توجد سياسة موحدة في هذا المجال. وأكد على أهمية الطاقة وقال إنه للأسف لا توجد برامج موحدة في المحافظة على الطاقة. كما أن الشعوب المغاربية فقدت بطاقة التعريف وهو يعتبر أن التراث والدين هما وسيلة تقارب بين الشعوب ودعا للمحافظة على الهوية المغاربية. وبين أنه لا يتفق مع من يقول إن مشكلة الصحراءالغربية هي التي تحول دون بناء مغاربي.. وتساءل قائلا "هل أن مشكل الصحراء هو الذي يمنع التعاون الاقتصادي بين البلدان المغاربية بل اتخذ هذا المشكل كذريعة ليس إلا فعلى المستوى الاجتماعي والبشري والتاريخي والاقتصادي لا يمكن القول إن لمشكل الصحراء دخلا في عدم تحقيق الوحدة المغاربية. وأثار السفير المغربي بتونس مشكلة هروب الشباب المغاربي إلى الغرب وقال: "لا توجد أي دولة مغاربية لها مشروع مجتمعي". وبين المؤرخ علية علاني أن الحس المغاربي في الأنظمة التربوية ضعيف جدا وبين أن جيل الاستقلال يتحدث عن تاريخ لجنة المغرب العربي ويهتم لأمر الوحدة المغاربية لكن أطفال المدارس اليوم لا يعيرون المسألة أية أهمية. وبين الأستاذ مصطفى الكتيري من المغرب أنه يجب العمل على تنمية الحس المغاربي في أوساط الشباب.. وذكر أنه من المهم جدا حصول تواصل بينهم ولاحظ أنه يجب مساعدة النخب في المغرب العربي على القيام بدورها لتحقيق الوحدة المغاربية.. ولاحظ أن ملف الصحراء الغربية ملف مفتعل.. فاتحاد المغرب العربي منذ نشوئه قبل 19 سنة كان ميثاقا وكان يجب التنصيص عليه في دساتير البلدان المغاربية وذلك ليكون ملزما للقادة. مسؤولية النخبة لئن اعتبر البعض أن مشكلة الصحراء هي التي تحول دون بناء اتحاد مغاربي فيذهب الأستاذ محمد بالحاج عمر إلى أن قضية الصحراء يرتكز عليها من لا يريد تحقيق المغرب العربي لكن في الحقيقة فإن المسؤول على المغرب العربي ليست النظم فقط بل الجميع وخاصة النخبة. فالمغرب يجب أن يبنى من القاعدة وليس من القمة. وقال الأستاذ امحمد المالكي إنه من المفارقة اللافتة أنه بقدر ما كان وعي الفكرة المغاربية مبكرا منذ أن أطلق دعوتها التونسي علي باش حامبة من الإستانة بداية عشرينيات القرن الماضي بالقدر نفسه ظل التقدم على تحقيقها محدودا ودون تأثيرات واضحة فقد استمرت مسكونة بهواجس خلوه من أي حس استراتيجي فلا المقاربة في بعدها الاقتصادي والتجاري أنجزت مقاصدها في خلق البنيات العامة المشتركة وتوفير التشابكات الضرورية لرأس المال البشري والمادي ولا المحاولات الساعية إلى إعادة تأسيس الفكرة من منظور شامل وجدت سبيلها إلى التحقيق. وكما تعثرت على حد قوله صيغة مؤتمرات وزراء الاقتصاد خلال الفترة الفاصلة بين 1964 و1975 ودخل الاتحاد المغاربي مدار التوقف بعد أقل من خمس سنوات على إحداثه. وقال "حينما ننظر اليوم إلى الفكرة المغاربية وهي على مشارف مرور نصف قرن عن إعادة إطلاقها في مؤتمر طنجة ربيع 1958 نشعر بقدر كبير من الأسى الممزوج بالقلق وهو قلق لا يدرك خطورته سوى الدول والمجتمعات التي انبثت في وعييها الجمعي ثقافة المسؤولية والمحاسبة وهو ما يعتبر الفريضة الغائبة في طقوس النظم السياسية التي أدارت دفة الحكم منذ حملات الاستقلال أواسط خمسينات ومستهل ستينات القرن الماضي ومن الغرابة حقا أن تبقى الفكرة المغاربية سجينة منطق سياسي لا صلة له بالسياسة بمعناها العقلاني. فمن العقلانية في السياسة أن يرهن مشروع تاريخي من حجم بناء المغرب العربي بإدارات أفراد حجبت عنهم هواجس الحكم ومتطلبات السلطة التي يفتحها أفق المغرب العربي في حياة الناس.. ومن العقلانية في السياسة أيضا أن تستمر الشعوب المغاربية في دفع فاتورة اللامغرب.. وقد نبه البنك الدولي منذ سنوات إلى أن التأخر في تحقيق وحدة مغاربية يكلف سنويا كل دولة واحد بالمائة من ناتجها الخام الوطني. وبين الأستاذ المالكي أن كل مشروع استراتيجي من عيار بناء المغرب العربي يتطلب رؤية تعي التمييز بين المهم والأكثر أهمية أي تفصل بين الاستراتيجي والعرضي والحال أنهما مهمة على درجة بالغة الأهمية ومن الأولى أن تقوم بها نخبة الأمة. وفي هذا السياق لاحظ أن جان مونيه وروبير شومان وغيرهما مثلا كان لهم دور ريادي في إنضاج الفكرة الأوربية وتوفير المناخ الثقافي لتمثلها والنضال من أجل صيانتها.