الإعلام الأمريكي غطى على الحقائق التي بحثت عنها في مذكرات الجنود وزوجاتهم وما كتبوه على الانترنات ضغوطات على قاعات السينما الأمريكية جعلت الفيلم يعرض في 15 قاعة فقط وبداية من 20 فيفري يبدأ عرضه في أوروبا للمخرج الامريكي برايان دي بالما تاريخ طويل وشهرة واسعة في عالم الفن السابع وخاصة في هوليود هذا المخرج اقدم سنة 2007 على خطوة تعتبر مغامرة بكل المقاييس اذ بامكانها ان تعصف بكامل تاريخه الذي بناه بالعمل والجهد والعرق. هذه الخطوة هي اخراج فيلم عن حرب العراق.. فيلم يختلف عن كل ما يروج حول هذه الحرب خاصة من خلال الاعلام الامريكي.. وفعلا قام بتصوير فيلم Redacted فكان رؤية مغايرة تماما جلبت له المشاكل رغم انه كان متفائلا قبل عرض الفيلم من قاعات السينما. وفي حوار صحفي اجري معه يوم 24 سبتمبر الماضي سئل برايان: ما الفرق بين الحرب في العراق والحروب الاخرى التي خاضتها امريكا فقال: «هناك اختلاف جوهري بين هذه الحرب البشعة وحرب فيتنام على سبيل المثال فنحن الامريكيين لا نعرف عن حرب العراق الا ما نراه يتلاءم مع رؤيتنا للامور.. هذه الحرب خضعت الانباء عنها الى التصحيح والمراقبة والمراجعة ولم يبق عنها الا ما يرضي ادارة بوش والاعلام الامريكي..» لماذا العراق؟ سئل برايان لماذا اخرج فيلما عن العراق فقال: «الفكرة جاءتني عندما شاهدت واقعة شنيعة عن العراق: جنود امريكان اقتحموا منزل عائلة عراقية واغتصبوا ابنتها (البنت هي عبير الجنابي من سامراء وقد اثارت الواقعة شعورا عالميا بالاستياء والغضب انذاك) قبل ان يحرقوها ويقتلوا كافة افراد عائلتها هذه الحادثة اثارت في شعورا بالالم فقمت بالبحث عبر شبكة الانترنات عن كل ما يتعلق بالاحتلال الامريكي للعراق وحوادث اخرى مشابهة وقد وجدت كل ما بحثت عنه: كل المصادر «الخيالية» (اي التي لا يتصورها احد) لانتاج فيلمي.. ومن خلال مواقع خاصة وصحف مصورة وحكايات زوجات جنود وحديث هؤلاء عن الاحتلال وظروف عيشهم في العراق ووجهة نظرهم نحو الحرب وعلاقتهم بعملهم و«بالعدو» (مثلما يقولون) ومن خلال رغبتهم الملحة في العودة الى وطنهم وجدت ادلة لا يمكن ان نحصل عليها ابدا من خلال وسائل الاعلام الامريكية.. وبناء عليه قررت اخراج فيلم يكون اقرب ما يمكن الى الحقيقة» صور اخرى بين برايان في هذا الحوار كيف اعتمد على صور من مواقع الكترونية على شبكة الانترنات ومن خلال اجهزة كاميرا استعملها الجنود الامريكان على الميدان في العراق، وفي هذا الاطار قال: «ابحثوا في مواقع جنود في العراق او اغتصاب او جريمة تجدوا كل شيء.. لكنكم لن تروا ابدا هذه الصور والانباء تنشر على احدى وسائل الاعلام الكبرى في امريكا». خلافا للرؤية الرسمية سئل برايان هل يعتقد ان فيلمه سيقلب نظرة الناس للرؤية الرسمية الامريكية للحرب في العراق فقال: «المعلومات التي تنشر في وسائل الاعلام الامريكية تعطي انطباعا سطحيا ومخالفا للواقع الذي يحدث في العراق. وكي تقتنعوا يكفي ان تقرؤا ما يكتبه الجنود على مواقعهم الإلكترونية وإن تشاهدوا شرائط الفيديو التي صوروها ووضعوها على شبكة الأنترنات». الإنتاج والهجوم قيل للمخرج كيف «تغامر» شركات الإنتاج بوضع تمويلات ضخمة في فيلم قد لا ينجح وهل يتوقع أن تهاجمه بعض الأطراف فأجاب: «شركات الانتاج لا يهمها سوى الربح وهذا الفيلم دعمه وموّله مستقلون عن السياسة والمليونير مارك كوبان وقناة H.D.Net.. والفيلم يقال انه هوليودي لكن هوليود لا تريد ان تسمع عنه أصلا.. أعرف أنهم سيهاجمونني لكني واثق من نجاح الفيلم.. وفي كل الحالات كل ما يهمّني هو وصول هذا الفيلم الى الجمهور العريض». مضايقات في عددنا الصادر بتاريخ 29 أكتوبر 2007 نشرنا مقالا مطوّلا عن الفيلم الأمريكي الذي يحمل عنوان «REDACTED» الذي تناول الوضع في العراق برؤية مختلفة وأقرب الى الحقيقة من الرؤى الرسمية الأمريكية تعرض الى مضايقات عديدة والى رقابة مشدّدة سواء من قبل الشركة التي تملك حقوق التوزيع او من قبل الإدارة الأمريكية التي رأت أن الفيلم يكشف المستور ويهدم كل ما بنته في سبيل تضليل الرأي العام الأمريكي والعالمي في ما يخص حقائق الوضع في العراق. 15 قاعة فقط المخرج دي بالما رفض إجراءات الرقابة وقال ان فيلمه «روقب» (وهذا اللفظ يعني تقريبا ترجمة لعنوان الفيلم) بما فيه الكفاية. وقد شنت عليه الصحافة اليمينية حملة شعواء إذ دعت قناة «فوكس نيوز» على سبيل المثال، الشعب الأمريكي الى مقاطعة الفيلم بدعوى أنه «سيؤدّي الى مقتل المزيد من الجنود الأمريكيين في العراق». ويبدو ان الحملة أعطت أكلها إذ مورست ضغوطات على أصحاب القاعات الذين لم يقبل عرضه الا 15 فقط في كامل الولاياتالمتحدة. هل يعرف النجاح في أوروبا؟ بداية من بعد غد 20 فيفري ينطلق عرض هذا الفيلم في بلدان عديدة من أوروبا. ويرى ملاحظون أن الفيلم سوف ينجح بصفة كبيرة نظرا الى أن الظروف التي منعت عرضه في أمريكا غير متوفرة في أوروبا او لأنها غير ذات جدوى على الأقل. المتمرد والحقائق يبلغ برايان دي بالما 67 عاما وهو مشهور جدّا في هوليود وقدّم أفلاما عديدة ناجحة. وعندما قرر إخراج فيلم REDACTED فقد قرّر التمرد على نواميس هوليود وأفلامها التي لا علاقة لها بالحقيقة أحيانا وعلى «كذبها» الذي تعوّد عليه الأمريكيون منذ عشرات السنين. والفيلم لم ينقل «معاناة» الجنود الأمريكيين في العراق بل ينقل ما يرتكبونه من جرائم وفظاعات من خلال صور ومشاهد لا تصل أبدا الى المشاهد الأمريكي بسبب الرقابة التي تستبعدها من التقارير الإخبارية. وصور الفيلم بكل جرأة الجثث المتفحمة والأشلاء المنثورة والدماء والمستشفيات المليئة بالقتلى والمصابين.