يتساءل المتابع لأشغال المجلس الوطني التأسيسي هل سيتمكن المجلس في المدة المتبقية من عمره، وبالنسق الذي تعوّد عليه نوابه، من الوفاء بجميع تعهّداته المتعلقة بصياغة دستور للبلاد وإصدار جملة من القوانين التي تكتسي صبغة استعجالية وخاصة منها المتعلقة بالهيئة المستقلة للانتخابات وغيرها من القوانين سواء تلك التي اقترحها النواب، أو أحالتها الحكومة عليه إضافة إلى مناقشة مشروع قانون المالية وميزانية الدولة لسنة 2013. وينتظر من المجلس التأسيسي بعد عطلة عيد الأضحى استكمال مناقشة مشروع مسودة التوطئة والمبادئ العامة وتعديل الدستور التي شرع فيها مساء يوم 23 أكتوبر ومناقشة بقية الأبواب وهي الحقوق والحريات والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقة بينهما والسلطة القضائية والسلطة المحلية والهيئات الدستورية وتعديل الدستور. ولتشريك المجتمع المدني في الجهات سيتولى تنظيم لقاءات في جميع ولايات الجمهورية حول الدستور وينتظر أن يشارك فيها نواب من اللجان التأسيسية ونواب عن الجهات وذلك خلال الفترة المتراوحة بين 4 نوفمبر و25 نوفمبر.. ومطلوب من المجلس بعد ذلك مناقشة مشروع الدستور والمصادقة عليه فصلا فصلا بالأغلبية المطلقة من أعضائه، ثم المصادقة عليه برمته بأغلبية الثلثين من أعضاء المجلس، وإن تعذر ذلك فبذات الأغلبية في قراءة ثانية في أجل لا يزيد عن شهر من حصول القراءة الأولى، وإن تعذر ذلك مجددا يتم عرض مشروع الدستور برمته على الاستفتاء العام للمصادقة الإجمالية عليه وذلك بأغلبية المقترعين. هيئة الانتخابات وإضافة إلى الوقت الذي يجب تخصيصه لهذه المهمة الأساسية وهي كتابة الدستور فإن المجلس التأسيسي مطالب أيضا بالنظر بصفة استعجالية في مشروع القانون المتعلق بالهيئة المستقلة للانتخابات خاصة وأن الدكتور مصطفى بن جعفر رئيس المجلس تعهد خلال الجلسة الممتازة المنعقدة يوم 23 أكتوبر بالإسراع في مناقشة هذا المشروع وحدد موعدا لانطلاق أعمال هذه الهيئة بمطلع شهر ديسمبر. وينتظر أن يكون النقاش حول هذا المشروع حادا خاصة وقد تعالت أصوات من داخل الهيئة القديمة لتؤكد أن اجراء انتخابات نزيهة وشفافة غير ممكن بالتركيبة المقترحة في مشروع القانون الذي أحالته لجنة التشريع العام مؤخرا على الجلسة العامة لنقاشه مباشرة بعد عطلة العيد، مؤكدين أن الهيئة الحالية المتكونة من 16 عضوا لم تكن قادرة على تأمين انتخابات بسهولة واعترضتها الكثير من الصعوبات الناجمة عن محدودية العدد فما بالك بهيئة تتركب من تسعة أو 11 عضوا، واقترح بعضهم الابقاء على نفس العدد أو الترفيع فيه إلى 19 عضوا واضافة خبراء في الاحصاء والشؤون الامنية ورسم الخرائط وغيرها ويرى آخرون أنه من المنطقي جدا في هذا الظرف الحالي الذي تعيشه البلاد والذي يتطلب الاسراع في سن الدستور وتنظيم الانتخابات الابقاء بصفة استثنائية على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الحالية لنجاحها في تنظيم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي أكتوبر الماضي ولخبرتها في المجال. ولكن المجلس التأسيسي لا يمكنه الاستجابة لهذا الطلب بحكم أن القانون التأسيسي عدد 6 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط نص في الفصل 25 على أن المجلس الوطني التأسيسي يسن قانونا يحدث بموجبه هيئة عمومية مستقلة دائمة تكلف بإدارة وتنظيم الانتخابات والاستفتاءات والإشراف عليها ويضبط ذات القانون تركيبة وتنظيم الهيئة الذكورة. ولكن تجدر الإشارة إلى أن المشروع الذي أعدته لجنة التشريع العام انطلاقا من جملة من مشاريع القوانين الواردة عليها من قبل عديد الأطراف حكومة ومجتمعا مدنيا ونوابا يتعلق بهيئة وقتية وليست دائمة لأن الهيئة الدائمة ينتظر الحسم فيها عند مناقشة مشروع الدستور. كما أن النظر في الهيئة المستقلّة للانتخابات يجب أن يرافقه نقاش مشروع القانون الانتخابي والمصادقة عليه. ميزانية الدولة وقانون المالية ينتظر من المجلس الوطني التأسيسي بداية من مطلع ديسمبر القادم وربما قبله الشروع في مناقشة مشروع قانون المالية وميزانية الدولة لسنة 2013 وهي مهمة تستغرق وقتا طويلا ونقاشا مستفيضا خاصة ما يتعلق بقانون المالية الذي يتطلب الى جانب النقاش العام مناقشته فصلا فصلا والمصادقة عليه فصلا فصلا. ومن المهام الأخرى المناطة بعهدة المجلس الوطني التأسيسي والتي هو مطالب بها وفقا لما ورد في القانون المنظم للسلط ما يتعلق بسنه قانونا أساسيا ينظم العدالة الانتقالية ويضبط أسسها ومجال اختصاصها. ولكن ستكون هذه المهمة عسيرة بعد فشله في المصادقة على مشروع القانون المتعلق بالهيئة المستقلة للإشراف على القضاء العدلي وما انجرّعن ذلك من اشكاليات عويصة وتجاذبات كانت البلاد في غنى عنها لو توفّرت الإرادة الحقيقية لدى النواب في بعث سلطة قضائية مستقلة فعلا. وليس بعيدا عن مجال العدالة الانتقالية، من المفترض أن تنظر لجنة التشريع العام في المدة القادمة في مشروع قانون يتعلق بإنشاء محاكم متخصصة لمقاضاة قتلة شهداء الثورة ومرتكبي الاعتداءات على جرحاها وايقاف التتبّعات ضم المسؤولين في أحداث الثورة الذي احيل عليها منذ الصائفة الفارطة إلى جانب جملة من مشاريع القوانين الأخرى.. ومن بين المشاريع المعروضة على لجنة التشريع العام وغيرها من اللجان التشريعية مشروع قانون يتعلق بإتمام القانون عدد 13 لسنة 1994 المتعلق بممارسة الصيد البحري ومشروع قانون حول واجبات وحقوق عضو المجلس التأسيسي وآخر حول قانون احداث مجلس تقييم البرامج والسياسات العمومية ومشروع يتعلق بتنقيح واتمام بعض أحكام المجلة الجزائية وتجريم المس بالمقدسات وغيرها.. آلية منع التعذيب ويتحرق العديد من الحقوقيين إلى المصادقة على مشروع القانون المتعلق بالهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب والممارسات المهينة. وكان بعضهم شارك في اعداده وعرضه على المجتمع المدني لإبداء الرأي فيه وهم يتطلعون إلى أن يحظى هذا المشروع بالأولوية لدى المجلس الوطني التأسيسي، حتى يكون بالإمكان تكوين الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب والممارسات المهينة، وحتى يكون بإمكان هذه الهيئة زيارة أماكن الاحتجاز وخاصة السجون المدنية ومراكز اصلاح الاطفال الجانحين ومراكز إيواء أو ملاحظة الاطفال ومراكز الايقاف ومؤسسات العلاج النفسي ومراكز إيواء اللاجئين ومراكز المهاجرين ومراكز الحجز الصحي ومناطق العبور في المطارات والموانئ ومراكز التأديب العسكري والوسائل المستخدمة لنقل الأشخاص، وليكون بإمكانها مراقبة مدى تلاؤم ظروف الاحتجاز والعقوبة مع المعايير الدولية والقوانين الوطنية وتلقي الشكاوى وابداء الرأي في مشاريع القوانين ذات الصلة واقتراح توصيات وسياسات للوقاية من التعذيب وغيرها من المهام الأخرى التي لا تقل شأنا.