ساعات قليلة ولكنها حاسمة باتت تفصل الامريكيين، بل وكل العالم، عن موعد الانتخابات الرئاسية المرتقبة. وكما أن الناخب الامريكي يتطلع لمعرفة سيد البيت الابيض الجديد فإن بقية العالم ينتظر ذلك أيضا. طبعا تختلف الأسباب والدوافع التي يمكن أن تبرر هذا الترقب والاهتمام بالحاكم الجديد للعملاق الامريكي في أول انتخابات أمريكية بعد التحولات التي فرضها الربيع العربي. وإذا كان الامريكيون يتطلعون بالدرجة الاولى إلى واقع اقتصادي واجتماعي جديد وإلى الخروج من تداعيات ومعوقات الازمات المالية والاقتصادية المتتالية وإلى عودة بلادهم إلى دور القيادة عسكريا واقتصاديا وعلميا فإن الكثير من شعوب العالم تتطلع إلى تلك التجربة الديمقراطية التي رسمها الامريكيون على مدى قرنين من الزمن وهم يعلمون أن الاربع سنوات في رئاسة أمريكا قابلة للتجديد مرة واحدة بما يعني أنه لا مجال لتجربة الاربع سنوات أن تتحول إلى تجربة أربعين عاما وان موعد الانتخابات الامريكية موعد إما لتجديد الثقة مع من التزم بوعوده الديمقراطية وأقنع الامريكيين طوال الاربع سنوات بأدائهم، وإما أن يكون موعدا مع التغيير لمن قبل على نفسه التحدي وقدم للناخبين ما يمكن أن يدفعهم لاستبدال الفاشل. على مدى الاسابيع الاخيرة من الحملة الانتخابية الامريكية تابع العالم ثلاث مناظرات للمتنافسين، وعلى مدى ثلاثة لقاءات مباشرة اكتشف الرأي العام الامريكي خصوصيات وقدرات وامكانيات الرئيس المتخلي المحامي الشاب ذي الأصول الكينية الذي كسر قبل أربع سنوات الحاجز العنصري في العقلية الامريكية والذي هزم هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية وفتح المجال أمام الاقليات في أمريكا لإعادة رسم التاريخ وإعادة ترتيب التركيبة الاجتماعية الامريكية، ومنافسه السيناتور الجمهوري ميت رومني. ثلاث مناظرات كان التنافس الحاصل فيها تنافسا قد لا يكون بريئا ولكنه تنافس مسؤول حضرت خلاله الأفكار والبرامج الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها، كان الصراع فيها خلال المناظرتين الأوليين حول القضايا الداخلية العالقة بما في ذلك البطالة والتأمين الصحي والتعليم والضرائب وقضايا البيئة، وتخلفت القضايا الدولية إلى المناظرة الثالثة التي حاول من خلالها أوباما استعراض الوعود التي التزم بتحقيقها في العراق وأفغانستان بإعادة القوات الامريكية هناك إلى البلاد. أما القضية الفلسطينية فقد ظلت وستبقى كالعادة الموضوع المفضل لكل المرشحين في الماضي والحاضر والمستقبل للمزايدة على اعلان الولاء والوفاء لأمن اسرائيل وحمايتها وكسب ودّ ودعم اللوبي اليهودي.. طبعا لم تغب الاتهامات والحرب الكلامية عن الحملة الانتخابية الرئاسية للمترشحين الجمهوري والديمقراطي، والواقع أن حملة تستنزف نحو ستة مليارات دولار من النفقات الدعائية لا يمكن ان تخلو من استعراض كل طرف لنقائص غريمه، على أن الحقيقة أيضا أن لعبة الفضائح الانتخابية لم تسقط كما في سباقات سابقة في متاهات المحاولات الاستعراضية الهابطة التي لا يمكن إلا أن تنفر الناخب وتدفعه إلى خيار الامتناع عن التصويت أو التصويت للعقاب. لقد أجمعت مختلف استطلاعات الرأي على التقارب الحاصل بين باراك أوباما وميت رومني ولكن يبقى صوت المترددين ممن لم يحددوا خيارهم النهائي الرهان الذي يعول عليه أوباما لتأجيل مغادرته البيت الابيض بأربع سنوات والرهان الذي يعول عليه الجمهوريون لاستعادة سلطتهم على البيت الابيض.. وفي كل الحالات فإن أنظار العالم ستبقى متجهة يوم الخميس إلى الفضائيات لاكتشاف الاسم الجديد لسيد البيت الابيض واستطلاع توجهات وخيارات الادارة الجديدة في أكثر من موقع من العالم الذي يعتقد الكثيرون فيه بأن أوباما ورومني وجهان لعملة واحدة وأنه بالتالي لا مجال للمفاضلة بين الجمهوريين والديمقراطيين وأن لعبة المصالح الأمريكية لا تتغير بتغير أسماء وصور الحكام وأن المزج بين كل من باراك أوباما وميت رومني لن ينتج غير ماكنة سياسية للقرارات الامريكية وهي حقيقة ثابتة لأن من ينتظر تغييرا يأتي من واشنطن أو غيرها من العواصمالغربية أو العربية كمن ينتظر طلوع الشمس من غير موقعها... آسيا العتروس