عاجل/ بشرى سارة لمستعملي وسائل النقل..    كرهبتك ''ن.ت''؟ هذا آخر أجل لتسوية الوضعية؟    نجاح أول عملية زرع لقرنية اصطناعية وقتية بالمستشفى الجامعي بقابس    حصيلة لأهمّ الأحداث الوطنية للثلاثي الثالث من سنة 2025    أبرز الأحداث السياسية في تونس في أسبوع (من 20 ديسمبر إلى26 ديسمبر 2025)    سيدي بوزيد: تحرير 17 تنبيها كتابيا وحجز كميات من المواد الغذائية    قابس: تقدم مشروع اصلاح أجزاء من الطرقات المرقمة بنسبة 90 بالمائة    ''كان 2025'': برنامج مباريات اليوم السبت    التشكيلة المحتملة للمنتخب التونسي أمام نظيره النيجيري    كرة القدم : السلطات التركية تصدر مذكرات اعتقال بحق 29 شخصا بسبب فضيحة مراهنات    المسرح الوطني التونسي ضيف شرف الدورة 18 من المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالجزائر    عروض مسرحية وغنائية وندوات ومسابقات في الدورة العاشرة لمهرجان زيت الزيتون بتبرسق    أمطار غزيرة متوقعة اليوم بعدد من الولايات    الصومال يوجه طلبا عاجلا للجامعة العربية    السكك الحديدية تنتدب 575 عونا    مواعيد امتحانات باكالوريا 2026    عاجل/ تعطّل أكثر من ألف رحلة جوية بسبب عاصفة ثلجية..    حجز 5 أطنان من البطاطا بهذه الجهة ،وتحرير 10 محاضر اقتصادية..    تنفيذا لقرار قضائي.. إخلاء القصر السياحي بمدنين    تايلاند وكمبوديا توقعان اتفاقا بشأن وقف فوري لإطلاق النار    إعادة انتخاب محرز بوصيان رئيسًا للجنة الوطنية الأولمبية التونسية    طقس السبت.. انخفاض نسبي في درجات الحرارة    رئيس وزراء بريطانيا يعلن عن عودة الناشط علاء عبد الفتاح    مانشستر يونايتد يتقدم إلى المركز الخامس بفوزه 1-صفر على نيوكاسل    فرنسا.. تفكيك شبكة متخصصة في سرقة الأسلحة والسيارات الفارهة عبر الحدود مع سويسرا    مزاجك متعكّر؟ جرّب هذه العادات اليومية السريعة    المجلس الجهوي لهيئة الصيادلة بتونس ينظم الدورة 13 للايام الصيدلانية يومي 16 و17 جانفي 2026 بتونس    الإتفاق خلال جلسة عمل مشتركة بين وزارتي السياحة والفلاحة على إحداث لجنة عمل مشتركة وقارة تتولى إقتراح أفكار ترويجية ومتابعة تنفيذها على مدار السنة    استراحة الويكاند    الليلة: أمطار أحيانا غزيرة بهذه المناطق والحرارة تتراجع إلى 3 درجات    كأس افريقيا: المنتخب المصري أول المتأهلين للدور ثمن النهائي بفوزه على جنوب افريقيا    فيليب موريس إنترناشونال تطلق جهاز IQOS ILUMA i في تونس دعماً للانتقال نحو مستقبل خالٍ من الدخان    قرقنة تكشف مخزونها التراثي: الحرف الأصيلة تحول إلى مشاريع تنموية    الأحوال الجوية: وضع ولايات تونس الكبرى ونابل وزغوان وسوسة تحت اليقظة البرتقالية    نصيحة المحامي منير بن صالحة لكلّ تونسية تفكّر في الطلاق    قائمة أضخم حفلات رأس السنة 2026    موضة ألوان 2026 مناسبة لكل الفصول..اعرفي أبرز 5 تريندات    وزارة التربية تنظّم يوما مفتوحا احتفاء بالخط العربي    4 أعراض ما تتجاهلهمش! الي تتطلب استشارة طبية فورية    الكاف : عودة الروح إلى مهرجان صليحة للموسيقى التونسية    ممثلون وصناع المحتوى نجوم مسلسل الاسيدون    القيروان: حجز كمية من المواد الغذائية الفاسدة بمحل لبيع الحليب ومشتقاته    بداية من شهر جانفي 2026.. اعتماد منظومة E-FOPPRODEX    جندوبة: انطلاق اشغال المسلك السياحي الموصل الى الحصن الجنوي بطبرقة    محكمة الاستئناف : تأجيل النظر في قضية "انستالينغو" ليوم 09 جانفي القادم    عاجل/ انفجار داخل مسجد بهذه المنطقة..    عاجل: هذا ماقاله سامي الطرابلسي قبل ماتش تونس ونيجيريا بيوم    تونس: مواطنة أوروبية تختار الإسلام رسميًا!    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    عاجل/ تقلبات جوية جديدة بداية من ظهر اليوم..أمطار بهذه الولايات..    مصر ضد جنوب إفريقيا اليوم: وقتاش و القنوات الناقلة    نابل: حجز وإتلاف 11طنا و133 كغ من المنتجات الغذائية    استدرجها ثم اغتصبها وانهى حياتها/ جريمة مقتل طالبة برواد: القضاء يصدر حكمه..#خبر_عاجل    البحث عن الذات والإيمان.. اللغة بوابة الحقيقة    عاجل/ قتلى وجرحى في اطلاق نار بهذه المنطقة..    أبرز ما جاء لقاء سعيد برئيسي البرلمان ومجلس الجهات..#خبر_عاجل    روسيا تبدأ أولى التجارب للقاح مضادّ للسّرطان    ترامب يعلن شن ضربات عسكرية أمريكية قوية في نيجيريا...لماذا؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسمنت دستوري لبناء الاستبداد
نشر في الصباح يوم 08 - 11 - 2012

بقلم: وليد الشريف - خنادق وأسلاك شائكة ومتاريس وحقول ألغام وأكداس من القنابل الانشطاريّة والعنقوديّة وجنود متواجهون يكاد الحنق يطفرمن عيونهم ويعوي في دمائهم التوثّب للقتال لكنّ أفواههم مبتسمة والكلّ رافع راية السلاّم.
تَخالها صورة من أرشيف الحرب العالميّة أومن فيلم سرياليّ وما هي كذلك. إنّها ساحة كتابة الدستوروقد أضحت حقلا للألغام، كل يريد زرع لُغمه. هو توازن الرعب بين التيّارات السياسيّة. فهذا يريد التأسيس على "ثوابت الإسلام ومقاصده" وذاك يريد تجريم التطبيع وآخر يؤكّد على الهويّة ورابع على الآداب العامّة، إلخ.
والواقع أنّ الكلّ يريد وضع أعمدة الديكتاتوريّة باستعمال إسمنت القانون. وسأستعرض هنا اثنتين من هذه الأعمدة.
التأسيس على "ثوابت الإسلام ومقاصده"
إنّ عبارة "ثوابت الإسلام ومقاصده" عبارة عامّة إنشائيّة لا يستقيم استعمالها في تحريرنصّ قانوني. فهي لا تبيّن حقّا ولا واجبا. وبها يُبَرّرالشيء ونقيضه.
من سيكون حكما بيننا ليقول لنا ما هي "ثوابت الإسلام ومقاصده"؟
لقد تحارب عليّ وعائشة، رضي الله عنهما، وكلّ يحسب أنّه يدافع عن "ثوابت الإسلام ومقاصده". وتقاتل عليّ ومعاوية والسنّة والشيعة والخوارج والكلّ يظنّ أنّه مدافع عن "ثوابت الإسلام ومقاصده".
ثمّ ألا ترى إلى الذي يستعمل خطاب "ثوابت الإسلام ومقاصده" كيف يستلُّ من جرابه ما يخدمه من "ثوابت الإسلام ومقاصده" حسب الظروف. فتراه إذا ذكر خصومه، التجأ إلى آيات القتال والتكفير مثل آية الحرابة. فإذا أتى الحديث عن العفو والتسامح انبرى يؤكد أسبقيّة الإسلام في هذا المضمارمذكّرا بالرسول عليه الصلاة والسلام، عند فتح مكّة، كيف عفا عن كفّار قريش وكيف أكرمهم الله بنصيب من أموال الزكاة. والأمثلة لا يحصرها العدّ في هذا المجال.
سيقول المدافعون عن إدماج هذه العبارة في الدستور إنّ "ثوابت الإسلام ومقاصده" واضحة جليّة وهي تقدميّة متفتحّة راسخة في حقوق الإنسان مثل : الحريّة والكرامة والعدل والمساواة والإنصاف واحترام حقوق المرأة، إلخ. وسأقول ذاك عين الصواب، فليكتبوا هذه القيم ويكون الدستور قد تأسّس على "ثوابت الإسلام ومقاصده". أم أنّ هناك ثوابت ومقاصد أخرى لا يفصحون عنها في الوقت الراهن، ثوابت أخرى سيستلّها هؤلاء في اللحظة الحاسمة وفي غفلة من الجميع؟
إنّ التمسّك بثوابت الإسلام ومقاصده لا يكون بتوارث قواعد وعادات، القرن تلو القرن، كما تتوارث بعض العائلات، بكل حرص، تحفا فنيّة أوحليّا عبرالأجيال مغتبطة بمظهرها العتيق. لأنّ هذا لا يعدو أن يكون حنينا للماضي وجيشان عاطفة.
أن تكون لحزب أو مثقّف مرجعية إسلامية، فهذا أمر محمود. ولكنّه إذا لم ينطلق من هذه المرجعيّة لإنتاج أفكار وبلورة تصورّات تبرّرها الحجّة ويسندها المنطق فإنّه في الحقيقة يسيء للدّين وهو يحسب أنه ينفعه.
إنّ إعلاء شأن الدّين الإسلامي يكون بإبداع فلسفات وقيم إنسانيّة يمكن مخاطبة العالم كله بها وتساهم في البناء الحضاري الإنساني الكوني. وهذا هوالسبيل الأوحد أن يتبوّأ الإسلام المكانة الكونية.
تجريم «التطبيع مع إسرائيل»
وهذه أيضا عبارة عائمة. فأمّا التجريم فهو اعتبار فعل أو قول ما جريمة يُعاقَب من أتاها. وأمّا "التطبيع مع إسرائيل" فذلك من أمرمن سيحكمنا لاحقا. قد يعني الفعل وقد يمتدّ إلى القول ولعلّه، وذلك الأرجح، سيشمل حتّى وشوشة النفس للنفس.
قد تجد نفسك مرميّا في السجن إذا اتّفق أن حضرت في بلد أجنبيّ ندوة شارك فيها محاضرإسرائيلي، ثمّ عنَّ لأحد المحامين من فاعلي الخير، وهم كثر، أن يقاضيك بتهمة التطبيع. وقد تُتَّهم بالتطبيع إذا ذكرتَ عبارة "إسرائيل" دون أن تَعقُبها بسيل من أقذع الشتائم والنعوت. بل لربّما تُحاكَم إذا لم تَرسُم على وجهك علامات الإشمئزاز والكُره عندما تسمع لفظ "إسرائيل". والمُحقَّق أنّ حجم مجال تهمة التطبيع سيكون بحجم معارضتك للسلطة القائمة. وإذا سألتهم الآن عن التطبيع، سيقولون إنّه يعني إقامة علاقات دبلوماسيّة أواقتصاديّة أو ثقافيّة أو أيّ علاقة تعاون مع إسرائيل. فإذا قلت لهم فلنخُطَّ هذا في الدستور بصفة واضحة ولنتجنّب المصطلحات العامّة ولنربطه بوضع حلّ نهائيّ عادل للقضيّة الفلسطينيّة. أتُراهم ماذا يقولون؟ سيتّهمونك بالتطبيع لوهن إرادتك في تجريم التطبيع.
متى سترحلون؟
إنّ هذه العبارات العامّة الفضفاضة وهذه المفاهيم العائمة يُراد إقحامها في الدستور ليصبح كثير من الفن والفكر وممارسة الحريّات الفرديّة جرائم يطالها القانون. هذه مفردات تُشحَذُ لتجعل القانون سيفا مسلولا على رقاب التونسيّين. وإنّ في هذا لَنذير لِما نُساق إليه من عُدوان.
كتابة الدستور حسبناها ورشة مفتوحة لصُنع جسور لمستقبل يعلُو فيه الإنسان وظنّوها هُمْ، ورشة لصُنع السيوف والرماح وغمس الخناجر في السمّ. فمن يا تُراه منّا أخطأ العنوان؟
من أردانا في هذا القرار المكين؟
أهُو الافتقار للحكمة والعقلانيّة؟ أهُو طغيان العاطفة والحميّة؟ أهُوالغياب المُفجِع للفطنة وبُعد النظر؟ أم هو إضمار الظلم والتعسّف وإرادة الاستبداد مع سبق الإصرار والترصّد؟
الحقيقة أنّي لا أنتظر الجواب
غريب أمر جُلّ أحزابنا ونخبنا : تأسرها وثنيّة الكلمات، تفنى في سراديب المصطلحات والشعارات. مُحزن أمر جُلّ أحزابنا ونخبنا : تسكنها غوغاء العاطفة، تستوطن فيها حميّة الإيديولوجيّات. مُخجل أمر جُلّ أحزابنا ونخبنا : تؤسّس لديكتاتوريّة من أشدّ الديكتاتوريّات وطأة ومصادرة للحريّات، ديكتاتوريّة تستند إلى دستور !!!
أدستور يؤسّس للديكتاتوريّة وقد ذقنا الويلات وشربنا كأس المذلّة للثمالة؟
أدستور يؤسّس للديكتاتوريّة وقد سبقتنا الشعوب للحضارة والمجد؟
أدستور يؤسّس للديكتاتوريّة وقد أشعل الحلم فينا جذوة الحياة بعد طول انطفاء؟
أدستور يؤسّس للديكتاتوريّة وقد حملنا أرواحنا على أكفّنا وراهنّا بحياتنا من أجل الانعتاق والحريّة؟
أدستور يؤسّس للديكتاتوريّة؟ بل لم تلمسوا روح الشباب الذي حارب الديكتاتوريّة وحاصرها ، بل لم تفهموا شوق الحياة الذي بعثهم من موت، بل لقد أتيتم متأخّرين بأجيال، بل...فليخاطبكم من هو أبلغ منّي:
"متى سترحلون"....
احترق المسرح من أركانه
ولم يمت بعد الممثلون" (1(
(1) من قصيدة "الممثلون" لنزار قباني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.