في الوقت الذي تسابقت فيه قنواتنا التلفزية بعد الثورة نحو الجهات المهمشة والمحرومة وخاصة المناطق الحدودية حيث صدمتنا تلك المشاهد المأساوية التي منع النظام الاستبدادي ظهورها على مدى عقود خلنا أن تلك الصور القاتمة ستحرك السياسيين وتستفز المسؤولين وتحرك كل الأطراف من أجل الإسراع بمعالجة أوضاعهم وإيجاد حلول جذرية لمشاغلهم ومشاكلهم ولو بصفة تدريجية لكن مرت الأيام ثم الأسابيع والأشهر وظلت الأوضاع على حالها بل إنها ازدادت تأزما إلى حدّ أن أصبح الجميع في تلك الأماكن المنسية يعيش في كابوس ودوامة. لاشك أن الصورة اليوم أكثر قتامة في ظل ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وتردي المقدرة الشرائية للمواطن في مناطق مازالت التنمية فيها مجرد حلم بل إن الماء الصالح للشراب أمنية غالية باعتبار أن البعض مازالوا يشربون من "الغدران" صحبة حيواناتهم في مشاهد صادمة وسط مماطلة باتت مكشوفة وتجاهل غريب وعجيب في وقت قامت فيه الثورة من أجل الكرامة. إن الوضعية المتردية لأغلب المدارس الابتدائية في أريافنا كانت وماتزال تطرح عديد التساؤلات حيال سكوت وزارة التربية وعدم تحركها رغم ما تعانيه مئات المدارس من غياب في التجهيزات الضرورية إلى حدّ تعطلت فيه الدراسة بعديد المؤسسات التي أصبحت غير صالحة للتدريس لحاجتها الماسة والأكيدة للتهيئة والصيانة. ولا تسأل عن معاناة فلذات أكبادنا الذين يقطعون مسافات طويلة بين الأودية والغابات أحيانا للوصول إلى مدارسهم في مشاهد يصعب أحيانا على ذوي القلوب الضعيفة تحملها. بالأمس القريب فقط تسابقت الأحزاب على مختلف المناطق الريفية بما فيها أحزاب "الترويكا" من أجل استمالة الناخبين، سلاحهم في ذلك خطابات رنانة لتسويق وعودهم "الوردية" لكن مرّ اليوم أكثر من سنة على أول انتخابات ديمقراطية وخرجت الأرياف بذلك من حسابات أغلب الأحزاب التي لن تتذكر أهميتها ودورها إلا مع اقتراب الانتخابات القادمة. ومن المؤكد أنها سوف لن ترحم الجميع هذه المرّة لأن وعود أغلب الأحزاب ثبت زيفها وتأكد أنها مجرد خطابات انتخابية لأن المطلوب اليوم عناية حقيقية بهذه المناطق المنسية التي فرضت عليها المعاناة في ظل الأنظمة الاستبدادية وحتى الحكومات الثورية.