مازلنا نعيش الهزات الارتدادية لثورة "الكرامة - "أمنية.. نقابية.. إعلامية.. احتجاجية - انفلات.. "الانفلاتات"شهدت تونس منذ 17 ديسمبر 2010 نقلة نوعية في جميع المجالات، وإن لم يكن بإمكاننا سابقا الحديث عن واقع حريات في البلاد وعن تعددية إعلامية ونقابية نظرا إلى غيابهما عن الساحة السياسية، فقد أصبحنا منذ تاريخ 14 جانفي 2011 نعيش حالة انفلات أمني ونقابي واحتجاحي وإعلامي تحت ما يسمى ب"التعددية".. انفلات اعتبره البعض ميزة أساسية للثورة التونسية. ولعل الانفلات الأمني الذي عاشته البلاد مثلّ الشاغل الأساسي لعديد التونسيين بما في ذلك الطبقة الحاكمة، فقد بات أمن الجميع مهددّا خاصة إثر حرق بعض السجون وفرار حوالي 11029 مسجونا لم يقع إعادة سوى 8522 سجينا منهم، حسبما صرحّ به المدير العام للسجون والإصلاح بالنيابة في حديث سابق ل"الصباح الأسبوعي". كما أدّت أعمال العنف والشغب إلى تضرّر 556 مؤسسة قدّرت قيمة تعويضها ب42 مليون دينار. كما طفت على الساحة بعد الثورة ظاهرة العروشية التي أدّت في أكثر من مناسبة إلى فرض حظر تجول للحدّ من حالة الاحتقان واحتواء الخلاف بين الأهالي مثلما حصل في معتمديات سبيطلة والمظيلة والسند والمتلوي وجبنيانة، وغالبا ما يقع تحميل مسؤولية هذا الانفلات الأمني إلى قوى الثورة المضادة. الاحتجاجات في أرقام لم يشمل هذا الانفلات الجانب الأمني فقط حيث تفاقمت ظاهرة الاحتجاجات في البلاد التي وصفها العديد ب"الانفلات الاحتجاجي" خاصة أنها أخذت منحى جديدا بعد الثورة تمثل في غلق الطرقات وتعطيل عمل الشركات. فقد تميز الوضع الاجتماعي خلال العشرة أشهر الأولى من سنة2011 مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2010 بارتفاع عدد الإضرابات بنسبة 106% وارتفاع عدد المؤسسات المعنية بهذه الإضرابات من 158 إلى 286 مؤسسة أي ما يعادل ارتفاعا بنسبة 81 %. وبالرجوع إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، علمت "الصباح الأسبوعي" أنّ عدد الإضرابات بالنسبة إلى الثلاثية الثانية من السنة الحالية سجلّ انخفاضا بنسبة 35 % وارتفاعا بنسبة 69 % خلال نفس الفترة من سنة 2011. وسجلّت المطالبة بتحسين ظروف العمل أعلى نسبة إضرابات وصلت إلى 45 % خلال العشرة أشهر الأولى من 2012 مقابل 40 % خلال نفس الفترة من سنة 2011. هذا الانفلات الاحتجاجي دفع برئيس الجمهورية المؤقت محمد منصف المرزوقي إلى المطالبة بهدنة سياسية وبوقف الإضرابات والاحتجاجات لمدة 6 أشهر "حتى تتجنب البلاد انتحارا جماعيا"، على حدّ قوله، وهو ما لم يلق تجاوبا من قبل عامة الشعب. إشكاليات في التفاوض رغم وجود عدد من الاحتجاجات العشوائية التي لم تكن تحت تأطير نقابي، فقد وجد عدد لا بأس به من الاحتجاجات المؤطرة من قبل النقابات التي شهدت بدورها تزايدا في العدد بعد الثورة. فلم يبق الاتحاد العام التونسي للشغل المؤسس منذ سنة 1946، وحده في الساحة النقابية كما كان معهودا في السابق، وذلك نظرا إلى تأسيس نقابات موازية على غرار اتحاد عمال تونس والجامعة العامة التونسية للشغل. السلك الأمني شهد بدوره تعددا نقابيا حيث يوجد في تونس ما بعد الثورة قرابة 6 نقابات سرعان ما انضوت تحت هيكلين نقابيين أساسيين يتمثلان في الاتحاد الوطني لنقابات قوات الأمن الداخلي والنقابة الوطنية لقوات الأمن التونسي. وعلمت "الصباح الأسبوعي" أنّ الحرس الوطني يسعى إلى تأسيسي نقابة بمفرده لا تكون على علاقة بأعوان الأمن. لكن كما وجدت تعددية نقابية في مجال الأمن فقد وجدت هذه التعددية في المجال الفني لنجد بذلك نقابة المهن الموسيقية المنضوية تحت الاتحاد العام التونسي للشغل ونقابة المطربين المحترفين المنضوية تحت الجامعة العامة للشغل. هذه التعددية النقابية وضعت وزارة الشؤون الاجتماعية في مأزق خلال مسألة التفاوض حول مطالب العمال، وهو ما دفع بوزير الشؤون الاجتماعية خليل الزاوية بالتصريح أنّ "الحكومة لن تتفاوض سوى مع الهيكل النقابي الأكثر تمثيلية للعمال". تعددية إعلامية.. وانفلات "أخلاقي" قمع التعددية بمختلف أنواعها وقبر الديمقراطية زمن بن علي أدّيا إلى حالة انفلات لم تستثن القطاع الإعلامي، فبعد أن حال النظام المخلوع دون التعددية الإعلامية ولم يقدّم تراخيص بعث وسائل إعلام خاصة سوى إلى المقربين منه، فقد حققّ هذا المجال نقلة نوعية بفضل تحرّره من التبعية ودوائر القرار السياسي ودخوله مرحلة التعددية التي وصفها البعض بما في ذلك المختصين في مجال الإعلام ب"الانفلات الإعلامي" خاصة أنّ هناك تجاوزا واضحا لأخلاقيات المهنة الصحفية من قبل بعض وسائل الإعلام. عن هذا الموضوع، يقول زياد الهاني عضو النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ل"الصباح الأسبوعي": "نلاحظ تعمقّ الخروقات لأخلاقيات المهنة الصحفية وميثاق شرفها فضلا عن عدم توفر النصوص القانونية والهياكل المرجعية القادرة على حماية العمل الإعلامي وتأطيره وتطويره". وأشار عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحفيين في هذا الصدد إلى حالة الفراغ القانوني السائدة في المجال نظرا إلى غياب هيئة تعديلية تتولى تسجيل الإخلالات والارتقاء بالعمل الصحفي والتصدي لرأس المال الفساد الذي بات يتدخل في التأثير على الخط التحريري. صحيح أنّ حالة الانفلاتات التي نعيشها قد نجد لها مبرّرا في إطار التعددية، ولكن بتنا منذ الثورة نعيش حالة انفلات لتلك الانفلاتات الأمنية والنقابية والاحتجاجية والإعلامية التي أصبحنا بمرور الوقت نشعر بمضارها أكثر من فوائدها. خولة السليتي
أفواه حرة.. بجيوب خاوية باتت حرية التعبير مكسب الثورة الأول والأساسي فأصبح عديد المواطنين يتطرقون إلى المواضيع السياسية ويبدون آراءهم في أوضاع البلاد دون خوف أو رهبة أو تردّد. وسرعان ما استثمر التونسيون هذه الحرية للمطالبة بتحسين أوضاعهم المادية والنهوض بالواقع الاجتماعي للبلاد. لكن أفواههم الحرة لم تنجح سوى في إيصال أصواتهم إلى السلطات المعنية باعتبار أنّ العديد من متتبعي الشأن الوطني، بما في ذلك عامة الشعب التونسي، يرون عدم تجسيد فعلي لتلك المطالب على أرض الواقع وبقاء الأمور على حالها، رغم إلمام السلطات بتلك المطالب. ويكفي الإشارة هنا إلى الإضرابات العامة التي شنّتها عدّة جهات محرومة آخرها ولاية سليانة التي احتجّ سكانها على سير الحكومة الحالية على درب بن علي في تهميشهم وعدم إيفائهم حقّهم في العدالة الاجتماعية رغم أنهم كانوا من الأوائل الذين ثاروا ضد النظام في فترة التسعينات وقبل 14 جانفي. كما أنّ آخر الأرقام والإحصائيات الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء تعكس الواقع الاجتماعي بالبلاد، حيث بلغت نسبة البطالة 17.6 % خلال الثلاثي الثاني من سنة 2012 مقابل نسبة فقر وصلت إلى 15.5% في 2010. وارتفعت نسبة التضخمّ إلى 5.5% خلال شهر نوفمبر الماضي بعد أن كانت 3.5% خلال سنة 2011. غياب مواد أولية من السوق.. وارتفاع للأسعار وفي الوقت الذي انتظر فيه معظم التونسيين تحسين مقدرتهم الشرائية، جوبهوا بارتفاع مشط للأسعار وفقدان لبعض المواد الأولية بين الفترة والأخرى كما هو الشأن اليوم بالنسبة إلى مادة الحليب، وهو ما اضطر الحكومة إلى توريد هذه المادة من سلوفينيا بعد أن سبق ووردّت الخرفان من دولة رومانيا. ويرى عديد الخبراء وكذلك الحكومات التي تولّت السلطة منذ سقوط بن علي أنّ ارتفاع الأسعار وغياب بعض المواد من السوق يعود إلى تفشي ظاهرة التهريب نحو السوق الليبية خاصة. ولا يمكننا المرور هنا دون الإشارة إلى أنّ ظاهرة التهريب سجلّت تراجعا مقارنة بالأشهر الأولى لاندلاع الثورة وذلك بفضل استتباب الأمن بالبلاد وتكثيف جهود المراقبة، وهو ما لا يعتبره البعض مبرّرا لارتفاع الأسعار. من جهة أخرى، دفع تردّي الوضع الاقتصادي بالبلاد وكالة الترقيم الأمريكية "ستاندرد آند بورس" إلى تخفيض التصنيف الإنتمائي السيادي لتونس بمقدار درجتين إلى الدرجة عالية المخاطر عند BB، كما صنفّت الوكالة القطاع البنكي التونسي ضمن المجموعة الثامنة التي تشمل البلدان ذات المخاطر العالية، وهو ما يدلّ، حسب هذا التصنيف، على أنّ تونس تواجه مخاطر عالية في مجال متانة الاقتصاد. وكالة الترقيم الدولية "فيتش رايتينغ" حطّت هي الأخرى من ترقيم تونس في مجال سداد الديون إلى "BB+" مع آفاق سلبية مقابل تصنيف مرضي "BBB-" منذ مارس 2011 لتصبح بذلك ضمن الدول المشكوك في قدراتها على سداد الديون على المدى الطويل. ولم يدرج المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس" تونس في التصنيف الجديد لسنة 2012-2013، وهي المرة الأولى التي لم يدرج فيها "دافوس" تونس ضمن تصنيفاته. كلّ هذه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية دفعت ببعض التونسيين خاصة محدودي الدخل إلى الندم على اندلاع ثورة في تونس، وهو ما لا يمكننا إنكاره أو إخفاؤه لأنّنا بذلك نخدع أنفسنا. لكن ما يراه بعض متتبعي الشأن الوطني هو أنّ عديد التونسيين لم يستفيدوا إلى الآن من الثورة سوى بحرية التعبير ليكونوا بذلك أحرارا بجيوب خاوية. خولة السليتي
القضاء بلا سلطة.. والنيابة العمومية «في مكتوب» وزير العدل وضع النظام الرئاسوي زمن المخلوع جميع السلطات بقبضته بما في ذلك السلطة القضائية، فوقع التنكيل بالعديد والحكم زورا على بعض المتهمين مقابل إصدار أحكام بالبراءة على بعض الذين ثبت تورّطهم في ارتكاب جرائم معينة. لكن ما أن اندلعت الثورة حتى بدأ العديد بما في ذلك القضاة النزهاء يحلمون بسلطة قضائية مستقلة بذاتها، سلطة قادرة على نصرة الظالم وتكريس العدالة القضائية. فقد أثبتت مختلف الحكومات المتعاقبة على السلطة منذ سقوط النظام سعيها إلى السيطرة على القضاء. ورغم بعث المجلس الوطني التأسيسي، لم يقع إلى اليوم الحسم في مسألة الهيئة الوقتية للقضاء وهو ما فتح باب التجاوزات وترك هذه السلطة القضائية بلا سلطة. فقد تولى وزير العدل المؤقت نور الدين البحيري الإعلان عن الحركة القضائية رغم غياب مجلس أعلى للقضاء أو هيئة وقتية تحلّ محلّه، وهو ما رأت فيه جمعية القضاة التونسيين مسّا بشرعية السلطة القضائية التي تستند أساسا إلى تسمية القضاة ونقلهم في إطار مجلس أعلى للقضاء. ورأى العديد من متتبعي الشأن الوطني في هذه الحركة القضائية "انتكاسة للانتقال الديمقراطي"، لما تكرّسه من تهديد لنجاح هذه المرحلة الانتقالية. وما زاد الطين بلّة في واقع القضاء التونسي هو قرار وزير العدل إعفاء 82 قاضيا من مباشرة عملهم، مما أثار موجة من الانتقادات من قبل الهياكل الممثلة للقضاة باعتبار أنّ آلية الإعفاء تمّت في إطار غياب مؤسسة ضامنة لاستقلالهم واستقلالية السلطة. التعدي على السلطة القضائية من قبل السلطة التنفيذية لم يقتصر على الحركة القضائية أو الإعفاء وإنّما تجسّد أيضا في تعيين عدد من قضاة النيابة العمومية والتحقيق صلب ما سميّ ب"القطب القضائي" دون الإعلان رسميا عن تركيز هذا الهيكل وضبط إطاره القانوني. كل هذه الممارسات دفعت بعدد كبير من القضاة إلى التخوّف من الهيمنة من جديد على السلطة القضائية مما اضطرّ جمعية القضاة إلى تنظيم وقفة احتجاجية والاعتصام بقصر العدالة بالقصبة، وأعرب آنذاك عدد من القضاة المعتصمين أنّ وقفتهم الاحتجاجية لا تعكس اليأس من إصلاح المنظومة القضائية وإنما تتنزل في إطار التعبير عن رفض نزع استقلالية السلطة القضائية. نيابة عمومية حاضرة بالغياب لا يمكن الحديث عن السلطة القضائية دون الإشارة إلى النيابة العمومية التي يخوّل لها القانون إقامة دعوى عمومية باسم المجتمع من خلال ملاحقة الجرائم وفتح التحقيقات. لكنّ هذه النيابة العمومية لم تحترم دورها، فقد أثبتت في عدّة مناسبات أنها غير كفء لتحمّل مسؤولياتها رغم أنّ وزير العدل هو الذي يرأسها. ففي ظاهرة التعذيب مثلا التي لا تزال موجودة في تونس ما بعد الثورة، بشهادة الحقوقيين، لم نجد النيابة العمومية بادرت بفتح تحقيق في ذلك واتخاذ الإجراءات اللازمة رغم أنّ القانون يخوّل لها زيارة السجون والتأكد من مدى تطبيق القوانين واحترام حقوق السّجناء. ولم تبادر النيابة العمومية بفتح تحقيق في أحداث 9 أفريل رغم امتلاكها لجملة من الأدلة التي تبيّن هويّة المتورطين في أحداث العنف الحاصلة يومها. كما كثرت الدعوات إلى العنف وإلى القتل على مختلف المواقع الاجتماعية وكذلك في بعض وسائل الإعلام وسط صمت بلا مبررات من قبل النيابة العمومية، دون أن ننسى هنا الإشارة إلى "المؤامرة على أمن الدولة" التي تحدّث عنها أعضاء حكومة حمادي الجبالي، ورغم ما لهذه التصريحات من أهمية وخطورة فلم تحقق النيابة العمومية مع من أدلى بهذه التصريحات. وأرجع عدد من الحقوقيين بما في ذلك رئيس الرابطة الشرفي مختار الطريفي عدم قيام النيابة العمومية بواجبها لكونها تخضع إلى تبعية السلطة التنفيذية الممثلة في شخص وزير العدل. على صعيد آخر، تولى بعض المحامين مكان النيابة العمومية بسبب تغافلها عن القيام بدورها فيما نصّب البعض الآخر نفسه مكان هذا الهيكل كما هو الشأن بالنسبة إلى المحامي فتحي لعيوني الذي أعلن اعتزامه رفع قضية ضدّ رئيس الهيئة العليا للانتخابات السابق كمال الجندوبي بتهمة إهدار المال العام على ضوء تقرير دائرة المحاسبات. تمثّل كلّ من السلطة القضائية والنيابة العمومية عمودا أساسيا لتكريس الديمقراطية الفعلية، فما بالنا بالدور الذي يمكن أن تلعباه في إنجاح المسار الديمقراطي الذي تعيشه تونس، ورغم تصريح وزير العدل نور الدين البحيري في أكثر من مناسبة بأن السلطة القضائية مستقلة فإنّ الهياكل الممثلة للقضاة أكدّت في أكثر من مناسبة أنّ القضاء اليوم بات بلا سلطة وأن هناك محاولات لنزع إستقلالية القضاء . خولة السليتي
شهداء وجرحى الثورة القضايا تنتظر الحكم النهائي.. وحالة عدد من الجرحى في تدهور يعد ملف شهداء وجرحى الثورة من اهم الملفات حيث تنتظر العائلات القصاص من قتلة ابنائها من خلال احكام قضائية يروا فيها انصافا لشهداء قدموا ارواحهم من اجل هذا البلد بمجتمعيه المدني والسياسي، فيما يبحث الجرحى عمن يعيلهم ويعتني بهم خاصة الحالات الخطيرة دون منة من اي طرف، لكن وبعد اشهر من الانتظار والوقفات الاحتجاجية امام التأسيسي وخارجه وملاقاة كبار مسؤولي الدولة فان دار لقمان لا تزال على حالها اذ لم يقع اصدار اي حكم نهائي في اية قضية من قضايا الشهداء العديدة والتي طالت حلقات بعضها حتى اضحت مسلسلا يفتقر نصه الى الجدية والواقعية ليصبح تراجيديا. ورغم صدور الحكم الابتدائي والاستئنافي في عدد من القضايا على غرار قضيتي شهداء قصور الساف او قرقنة فان الحكم الاخير والنهائي لم يصدر بعد، بل ان هناك قضايا لا تزال في دائرة الاتهام. اما الجرحى، فان حالة بعضهم قد تعكرت لغياب العناية اللازمة وعوض سفر عدد منهم الى قطر او تركيا فان في تونس من الكفاءات والتجهيزات ما تسمح بالعناية بهم لكن ذلك يبقى رهين القرار السيادي ويجب اعطاء الموضوع ما يستحق من الاهمية. ولئت أعلنت الحكومة من جهتها عن جملة من الاجراءات لفائدة جرحى الثورة وعائلات الشهداء، تتعلّق أساسا بالتشغيل والعلاج ممثلة في التنصيص على انتداب جرحى الثورة العاطلين عن العمل حسب الكفاءة العلمية، وتشغيل فرد من عائلات الشهداء، إضافة إلى التسديد الكامل لفواتير علاج الجرحى وتمكينهم من مجانية العلاج في كلّ المستشفيات والمراكز الصحية بتونس.كما تمّ بعث لجنة من الأطبّاء الصيادلة للإشراف على ملفات الجرحى ومقرّها وزارة حقوق الانسان والعدالة الانتقالية. بالإضافة إلى منح عائلات الشهداء امتياز الإعفاء من شرط التمويل الذاتي عند بعث مشروع للحساب الخاص، مع منحهم الأولوية في الحصول على الأراضي التابعة للدولة، إذا ما توفرت الرغبة في استغلال أراضي ذات صبغة فلاحية. فإن ما تقوم به الحكومة من مجهود لاقى رغم ذلك معارضة شديدة لدى الكثير من السياسيين وعدد من مكونات المجتمع المدني الذين اتهموها بالتقصير في التعاطي مع ملف الشهداء وجرحى الثورة ، ونظرا للمجهود الذي تبذله عدة جمعيات في هذا المجال فان الثابت والواقعي يقول بان الجاني والقاتل لشهداء الثورة لم ينل بعد ما يستحق من العقاب طبقا للقانون ، فيما لا تزال الحالة الصحية للجرحى على حالها بل ازدادت سوءا لدى البعض. فمتى يقع الفصل في هذا الملف ليغلق بشكل نهائي؟ جمال الفرشيشي
البوعزيزي تمعش منه السياسيون ..وعائلته لما تعرض الشهيد محمد البوعزيزي الى صفعة من عون الشرطة البلدية فادية حمدي يوم 17 ديسمبر 2010 وهو يبيع الغلال على متن عربته المجرورة لا أحد كان يتصور ان يتحول الى عنوان ربيع الثورات العربية وشخصية محورية في مختلف البلدان العالمية وحتى في الندوات والملتقيات الدولية لكن اقدامه على حرق نفسه امام مقر ولاية سيدي بوزيد في مشهد مأساوي كان الشرارة الاولى التي أشعلت ثورة الحرية والكرامة التي اطاحت بالنظام البائد حيث انتفضت اغلب معتديات الولاية رغم الاسلوب القمعي واعلنت التمرد على النظام الاستبدادي في موقف تاريخي . ولم يكن الرئيس المخلوع يعلم وهو يطلع على حالة البوعزيزي بمستشفى الحروق البليغة ببن عروس في صورة ستظل راسخة في الاذهان انها ستكون زيارته الاخيرة قبل فراره وهروبه الى السعودية في سيناريو لم يخطر له على بال بل انه فاجأ أعتى الاستخبارات العالمية والانظمة العسكرية. وفي الوقت الذي تحول فيه البوعزيزي الى رمز للثورة التونسية واصبح اسمه يردد على كل لسان تمعش به السياسيون من خلال الاشعاع الذي حققته تونس حيث تهاطلت الهبات والمساعدات والقروض على الحكومات المتعاقبة بعد المخلوع اعجابا بثورة الشعب التونسي على الاستبداد . مازلنا نتذكر كيف تمعشت به عائلته وخاصة والدته منوبية البوعزيزي التي التقت رؤساء عديد الدول والامين العام للامم المتحدة بان كيمون الى جانب استضافتها من طرف عديد الجمعيات والمنظمات الدولية قبل ان تجد نفسها خلف القضبان لاتهامها بالاعتداء لفظيا على احد القضاة بسيدي بوزيد.