تخضع المواد الاستهلاكية الأساسية من أنواع الخضر والغلال من حيث تسويقها وعرضها وبيعها إلى شروط قانونية تتمثل بالأساس في مرورها بأسواق الجملة باعتبارها المسالك الرسمية المعدة لهذا الغرض، ويمنع على أي بائع تفصيل ينشط في هذا المجال التزود من خارج هذه الأسواق أو عرضها دون أن تكون له فواتير تثبت ذلك. إن القانون يجري انتهاكه بشكل صارخ في كافة جهات البلاد، وهو ما فسح المجال لظهور أسواق موازية لبيع الخضر والغلال تتمركز في الساحات العمومية والشوارع والأحياء وتمارس نشاطا غير قانوني لا يخلو من مظاهر التجاوزات على مستوى الأسعار وأساليب العرض والغش والمراكنة، وهو ما ألهب أسعار هذه المواد وجعل عرضها غير مراقب بالمرة، خاصة أن الأسواق باتت قبلة نسبة هامة من التجار العرضيين الذين استحوذوا على نسبة 70 في المائة من المواد المعروضة يوميا حسب تقديرات وزارة التجارة. ولعل الغريب في هذا المجال أن وزارة التجارة وإداراة المراقبة التابعة لها تركز نشاطها على مسالك التوزيع الرسمية مثل الأسواق البلدية اليومية والأسبوعية، وتتناسى الأسواق الموازية التي تنخر وتعبث بالجميع وتمارس نشاطا غير قانوني وصارخا على مرآى ومسمع الجميع، وهي بذلك تخطئ في نشاطها الذي لا تستهدف فيه مظاهر الخراب التي تجتاح مجالات عرض هذه المواد. هذا الجانب كنا نبهنا إليه منذ مدة وتحدثت عنه منظمة الدفاع عن المستهلك، ودعا أعوان المراقبة إلى تطويقه ولكن الوزارة لم تعره اهتماما ولم تركز عملها حوله، وهو ما زاد في تدهور الأوضاع وارتفاع الأسعار وجعل المراقبة اليومية غير ذات جدوى رغم ما بذل من جهد للتحسيس بجملة هذه التجاوزات الحاصلة. وقد برزت ظاهرة أخرى أشد خطرا وأكثر تجاوزا تتمثل في تزود تجار التفصيل من خارج أسواق الجملة وذلك إما بالتعامل مباشرة مع الفلاحين أو باعتماد شاحنات تجار تتولى تزويدهم على عين المكان، وهي ممارسة خطيرة فيها خرق لقانون العرض يدفع إلى اتساع التجاوزات، ولكن وبالرغم من أن هذه الممارسة باتت جلية فإن المراقبة الاقتصادية لم تتابعها ولم تحاول التصدي لها. هذه المظاهر استشرت في كل جهات البلاد وهي ولا تزال السبب الأكبر في ارتباك العرض والطلب لجملة المواد المشار إليها، وهي ستتواصل وتتعمق ما لم يقع تطويقها ضمن خطة مراقبة واسعة واتخاذ قرارات جريئة وحازمة تضع حدا لكافة أنواع التجاوزات التي تحصل حاليا.