الحديث عن الوضع في المؤسسات العمومية والتربوية بصفة خاصة يطول شرحه والاستقرار والتوافق المنشود الذي نسمعه ليلا نهارا في كل المنابر يحتاج أيضا إلى ضوابط و شروط فيها حد أدنى من المصداقية و الوضوح و ليس فقط ترضيات متنوعة، وتحليل هذه الظاهرة غير مرتبطة بالمرحلة الانتقالية التي أصبحت علكة سيئة الإخراج في العديد من المناسبات والمواقع حتى نبرر و نشرع التسيب والفوضى الذي يتكئ عليه العديد من الناس حيث تعطي الحق المطلق للمارقين على النواميس الاجتماعية بأن يتصدروا المجتمع وإعطاء الأولوية المطلقة لهم. التسيب يعنى أن يسير الإنسان أو يأتى بسلوك على غير هدى و بدون ضوابط أو محددات تحكم تصرفه أو حركته، أما المنظومة الإدارية عندما تعجز عن تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها فهذا المعنى الشامل للتسيب، فما مظاهر ذلك في إحدى المؤسسات التربوية التي اخترناها مثالا؟ أول مظهر للوضع غير الطبيعي لهذه المؤسسة التربوية هو مدخل المؤسسة حيث إنك لا تشعر بأنك وسط مؤسسة لا يقال لك أين ذاهب لمن وتقديم هويتك بكل دقة لذلك ساعد على وجود تجاوزات و تطاولات من طرف بعض المتهورين الذين يدخلون إلى المؤسسة دون رقيب. المظهر الثاني، هو امتداد و مواصلة للنقطة الأولى التجاوزات والتطاولات من طرف بعض المتهورين، ساعد على تدخل هذه الأطراف في العمل و سيره وفي القرارات الإدارية فأصبح كل طرف من هذه الأطراف يفتي في المسائل التربوية و يتجرأ على فرض رأيه المزاجي و الانطباعي والانتهازي على حساب الضوابط و التراتيب المؤسساتية وهو ما تحقق للبعض عمليا وهو مبتهج بذلك بهدف ترضية شعبوية لتلميع الصورة والقبول الحسن الذي وظف في سياق الطمأنة. المظهر الثالث، متعلق بمادة تدريس الموسيقى حيث إن أكثر من ثلثي الأقسام لم يدرسوا سوى ثلاثة دورس منذ بداية السنة الدراسية، وجل الفروض العادية لم تنجز ولم يتسلم التلاميذ الفروض التأليفية ليعرفوا علاماتهم في هذه المادة. أما المظهر الآخر للفوضى في هذه المؤسسة هو توظيف أغلبية عمال الحضائر غير المترسمين للوشاية والتنصت و التجسس، و نقل الأخبار غثها و سمينها فأصبحوا أصحاب نفوذ يهددون و يتطاولون على الموظفين المترسمين منذ عشرات السنيين ويوظفون للتفتين عبر "رابطة عصبية محلية" لكي تتنامى الفوضي مستغلين الغياب الكامل للرادع الإداري. في النهاية يتساءل المحلل لمظاهر التسيب المدرسي في إحدى المؤسسات التربوية بولاية قابس إضافة إلى مظاهر أخرى يطول المجال لذكرها هي وقائع موجودة عمليا يأتي طرحها في سياق الوعي بضرورة اليقظة وإيمانا بضرورة المصارحة المسؤولة والعلمية البعيدة عن المجاملة وليس كما يفهمه قصيرو النظر كنوع من الفضح و التعرية التربوية والاجتماعية لأن التحسين ينطلق من هذه المحاولة والمحاولات الأخرى للتحليل والتطوير. إن ما يمكن أن نستنتجه دون مزايدة ومغالاة أن في ظل غياب المتابعة والمراقبة والحد القليل من ذلك يستحيل أن تحدث هذه الأمور وغيرها لكن دعه يمر والاعتقاد الصريح بأن المؤسسات الأعلى لا تحرك ساكنا بل تطالب بأن المتطاول على الجميع وجب طلب الاعتذار منه لأن من حقه أن يقوم بذلك وتهدئته وإقناعه بأن له الحق في التمرد والتلفظ بألفاظ نابية؛ فمن المفروض حسب ما يتصور عند بعض أصحاب القرار مزيد سعة الصدر حتى يعزز شعبيته أمام الجميع و" لا يخيب نفسه" حسب المنطوق اليومي التونسي وتسند له شهادة شكر أمام الجميع على غلق المشاكل و "مادامت الأمور مسلكة" حسب الخطاب الإداري المتداول بشكل غيرعقلاني و متزن و معتدل و لو كان ذلك على حساب التراتيب الإدارية للمؤسسة و سمعتها. إن غياب المشاكل في العديد من الحالات لا يدل على مناخ اجتماعي مؤسساتي جيد و إنما يعود ضمن سياسة غض الطرف المتواصلة وعدم بذل أي جهد في اتخاذ قرار ضد مصالح المسؤول أو الخوف من النقابات(التعليم الثانوي في قطاع التعليم بالتحديد)، باعتبار دورهم في تزكية و عزل المسؤول الأول في المؤسسات التربوية، فهل نرى في المستقبل بعض البصيص من الأمل في الإصلاح الجدي لهذه المؤسسة وغيرها؟