توقفت صاحبة المقال في الجزء الأول عند ضرورة أن يضمن عهد تونس للحقوق والحريات مبدأ المساواة بين كل المواطنين وبين الجنسين وأن يحجر التمييز بين المواطنين بسبب العرق أو الدين أو الجنس أو الانتماء الجهوي أو اللغة. وفي الجزء الثاني تقول: برز مفهوم التمييز في المنتظم الدولي منذ إصدار الاتفاقية الدولية الخاصة بإلغاء كلّ مظاهر التمييز العنصري للتأكيد على وجوده وللعمل على إلغائه لتحقيق المساواة بين الأجناس (2). ففي الفصل الأول من هذه الاتفاقية يقصد بالتمييز العنصري أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أوالأثني ويستهدف أو يستنتج تعطيل أوعرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستهاعلى قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من أي ميادين الحياة العامة (3) ونجد نفس التعريف للتمييز في الاتفاقية الدولية الخاصة بإلغاء كل مظاهر التمييز المسلط على النساء التي صادقت عليها الدولة التونسية منذ 1985 والتي تحدد التمييز بكونه "أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتمّ على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان وبالحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان أخر(4)" . ولا يمكن اعتماد الكرامة الإنسانية وعدم التمييز بدون إقرار المبادئ الإنسانية العالمية التي تعتبر حسب ما جاء في بيان وبرنامج عمل "فيانا " "أنّ هذه الحقوق حقوق عالمية وأساسية للإنسان وهي حقوق متكاملة ومترابطة ببعضها البعض وان حقوق المرأة من مكوّنات الإنسانية وهي مرتبطة بالمرأة كإنسان متمتع بمجموعة من الحقوق والمسؤوليات ويعني هذا المفهوم أن حقوق المرأة هي جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان تتكفّل الدول بالنهوض بها وبحمايتها" (5) . العالمية هي كذلك من المبادئ التي يجب إقرارها في الدستور وهي من أهمّ المكاسب التي حققتها المجموعة البشرية . تندرج العالمية في إطار فلسفة إنسانية وظاهرة اجتماعية تطورت وتغير مفهومها بتطور المجتمع فتحدثنا عن الجيل الأول لحقوق الإنسان للتأكيد عن الحقوق المدنية والسياسية ثم انتقلنا إلى الجيل الثاني مع بلورة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والآن أصبحنا نتحدث عن الجيل الثالث لحقوق الإنسان مع تكريس الحقوق الجماعية والتضامنية وحقوق التنمية والديمقراطية والسلم وكذلك عن الجيل الرابع الذي يركز على احترام جسد الإنسان وعدم استعماله. ولم يقترن تطور هذه الحقوق بظهور الحضارات لكن بفقدان الحقوق والآليات المعترفة بها لغرض الاعتراف بها على الصعيد العالمي من قبل كافة الدول والهيئات الرسمية والمنظمات الدولية. وقد تزامن ظهورها بتطور القانون الدولي المتعلق بحقوق الإنسان والمواثيق والصكوك الدولية واعتمادها من قبل الجمعية العامة لمنظمة الأممالمتحدة كما أن الحقوق المعلن عنها من خلال هذه الأجيال هي عادة حقوق غير معترف بها ومفقودة على الصعيد المحلي؛ وما التأكيد عليها إلاّ لغرض ضمانها والتمتع بها من قبل النساء والرجال دون تقييد غالبا ما يستند على الخصوصيات الحضارية والثقافية والدينية إذ لاحظنا في بعض الأحيان الالتجاء إلى "مفهوم الخصوصية الثقافية..." واستعماله من قبل منتهكي هذه الحقوق ومن قبل أولئك الذين يرفضون الاعتراف للإنسان وخاصة للنساء بكافة الحقوق ويضعهن في مرتبة دونية وتمييزية ممّا يؤدي إلى الحدّ من مجالات هذه الحقوق فتظهر الخصوصية كحاجز أمام الإعلان عن حقوق الإنسان بينما يكون بالإمكان أن تكون مصدر إثراء وأساسا خصوصيا لتركيز الحقوق الإنسانية لكلّ النساء والرجال وذلك حتى تتحول حقوق الإنسان إلى ممارسة اجتماعية حقيقية مثل ما وقع بالنسبة لإلغاء الرق منذ سنة 1841 وخاصة بعد ان صدر الأمر المتعلق بإلغاء الرق وعتق العبيد . وقد أكّدت الصكوك الدولية الصادرة منذ أواخر الستينات على وحدة حقوق الإنسان معترفة "بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء المجموعة البشرية وبحقوقهم المتساوية التي لا يمكن التصرف فيها كما ينتج عن الاعتراف بهذه الحقوق "تشريك كل الأطراف وتحمل مسؤولية الجميع من مؤسسات رسمية وغير رسمية ومنظمات المجتمع المدني ومواطنين ومواطنات لضمان التحرر من الخوف والفقر وبناء السلم والتفاهم الاجتماعيين وتحقيق العدالة الاجتماعية وإقامة النظام الديمقراطي التشاركي". 3 - العهد يقدم الضمانات الحمائية الأساسية يبقى الاعتراف بهذه الحقوق ناقصا ما لم يتم التنصيص على بعض الضمانات وخاصة منها الضمانات القانونية والضمانات المؤسساتية الضمانات القانونية : تتصل هذه الضمانات أساسا بالاتفاقيات الدولية وبضرورة تأكيد ما كان ينص عليه دستور 1959 من إقرارعلوية الاتفاقيات الدولية على القوانين المحلية حتى يمكن إدراجها في الترسانة القانونية المحلية وتطبيقها بدلا عن التشريعات المحلية عندما تنتهك هذه التشريعات حقوق الإنسان أو تقيد ممارستها باعتبار أن الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان بصفة عامة وبحقوق الإنسان للنساء أوبحقوق الأطفال أو حقوق المهاجرين تقوم كلها على احترام كرامة الإنسان وحرياته الأساسية وتنبني على أساس المساواة بين المواطنين وبين المواطنين والمواطنات وبين الأجيال ويمكن أن نضيف بين الجهات بما أنها ترمي إجمالا إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وفي هذا السياق يعتمد العهد المرجعية الدولية لحقوق الإنسان التي شاركت في صياغتها شعوب العالم واتفقت عليها ويقر بضرورة الرجوع إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الدولة التونسية عند تأويل الفصول الدستورية الخاصة بحقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة. ومن بين الضمانات التي يمكن ذكرها والتي تبناها العهد إمكانية اتخاذ التدابير الاستثنائية التمييزية المؤقتة للتعجيل بالمساواة ولتدعيم حقوق الإنسان للنساء والأطفال والشباب والمسنين واللاجئين وذوي الإعاقة والمهمشين واتخاذ التدابير والسياسات الضرورية لضمان التمتع بالحق في التنمية الإنسانية بما في ذلك توفير مواطن شغل لذوي الإعاقة وإحداث صندوق عمومي يحفظ كرامة العاطلين عن العمل والمعاقين والفقراء والمهمشين. أما الضمانات المؤسساتية فهي تقوم على إحداث محكمة دستورية مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية متكونة من مختصين منتخبين لضمان استقلالهم الفكري والسياسي ويكون من اختصاص المحكمة النظر في مشاريع القوانين الدستورية المتعلقة بحقوق الإنسان للسهر على مطابقتها أو ملاءمتها لأحكام الدستور والنظر في دستورية القوانين النافذة المفعول عن طريق الدعوى وبطلب من السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية أو عدد معين من النائبات والنواب أو من المواطنات والمواطنين. كما يمكن للمحكمة الدستورية مراقبة مدى ملائمة ومطابقة القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان للاتفاقيات الدولية بما أن الدستور ينص على علوية الاتفاقيات الدولية على القوانين وهو "عندما يقوم بهذه الرقابة لا يتجاوز مهمته بل يضمن احترام الدستور عن طريق الرقابة لمدى احترام الاتفاقيات الدولية من قبل القوانين(6) . إلى جانب هذا كله، فالعهد يمكن منظمات المجتمع المدني من حق التقاضي لحماية حقوق الإنسان ويضمن حقوق النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان. تلك هي أهم عناصر العهد، نتمنى أن يتم إدراجه في توطئة الدستور حتى نكون قد ساهمنا في اعتماد مقاربة حقوقية في الدستور وفي إقرار حقوق الإنسان في كونيتها وفي شموليتها وتكاملها وحتى يرتقي المواطن التونسي إلى المواطنة الحقيقية وتحقق الديمقراطية المتساوية للجميع. 2) اعتمدت الجمعيّة العمومية لمنظمة الأممالمتحدة هذه الإتفاقية في 21 ديسمبر 1965 وصادقت عيها الدولة التونسية بمقتضى قانون عدد 85-68 المؤرخ في 12 جويلية 1985. 3) هذا هو إجمالا مضمون المادة الأولى من هذه الاتفاقية 4 ) هذا هو محتوى الفصل الأوّل من الإتفاقية. 5) صدر هذا البرنامج سند 1993 إثر إنتهاء المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان المنعقد في فيانا في جوان 1993. 6 )- سليم اللغماني.جدلية إعلان الحقوق والقضاء الدستوري.محاضرة ألقيت بمناسبة ذكرى إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 2011.أنظر المغرب ليوم الخميس 22 ديسمبر 2011 ص.10-11