بقلم: منية العرفاوي - ناء المستقبل لا يكون بغمرة وعربدة الضوضاء وتشنّج الهويات الشخصية والتصوّرات مهما كانت بعيدة أو قريبة». هذه الجملة الغامضة والمبهمة دخلت تاريخ تونس كأغرب جملة سياسية قيلت بعد الثورة، قالها وزير الخارجية السابق أحمد ونيّس في أوّل إطلالة تلفزية خاطب بها الشعب المتمرّد حينها- على قيود الدكتاتورية والمتطلّع للديمقراطية و»الحالم» بمؤسسات دولة حقيقية .. لكن الوزير الذي بدا متشنّجا ليلتها لم تسعفه غير خلفيته الأكاديمية كأستاذ فلسفة ليقول جملته الشهيرة تلك..جملة ورغم التباسها وعسر تفكيك معانيها غير أنها على ما يبدو لخّصت واقع ملتبس لوزارة الخارجية بعد الثورة.. هذه الوزارة التي صمدت رغم عقود الاستبداد السياسي واستطاعت أن تؤسس لتقاليد ديبلوماسية راسخة في الأعراف الدولية.. يشهد لها التاريخ المعاصر للعلاقات الدولية بمواقف مشرفة خاصّة زمن بورقيبة.. لكن اليوم وحين كان من المفترض أن تكرّس كل الدبلوماسية التونسية جهودها لاستثمار الصورة الناصعة للثورة التونسية في المحافل الدولية وتحوّلها إلى انجازات عملية تعود بالنفع والرخاء على الشعب، نجد هذه الوزارة أصبحت مثار جدل سياسي وشعبي منذّ تشكّل حكومة «الترويكا» فبعد الاتهامات بأن تعيين وزير الخارجية كان من باب المحاباة باعتباره صهر زعيم حركة النهضة، فان رفيق عبد السلام منذ توليه حقيبة الوزارة والتعاليق تلاحقه في غدوّه ورواحه.. ولا يكاد يمرّ أسبوعا الاّ وتصرفات وتصريحات وزير الخارجية تكون محلّ جدل ونقاش عام وأخرها واقعة «الشيراتون غيت» التي تثير حول الوزير شبهة اهدار المال العام بالاضافة الى التلميح بتورّطه في قضية أخلاقية.. واذا كانت من أوكد مهمام وزراة الخارجية «الحماية والدفاع والمحافظة بالخارج على الحقوق والمصالح المادية والأدبية للبلاد التونسية ولرعاياها» فان وزير الخارجية مدعو بحكم مهامه الى أن يكون حضوره الاعلامي مدروسا وتصرّفاته حكيمة وتصريحاته رصينة لأن خطابه لا يتوجّه به الى الشعب التونسي فقط بل الى كل العالم.. واذا كان في زمن المخلوع تسويق لصورة جميلة على تونس لكن دون القدرة على استثمارها لأنها صورة مزيفة ..فإننا اليوم نحتاج كذلك إلى صورة جميلة و لكن نحتاج أيضا إلى استثمارها ايجابيا..