أعلنت صحيفة "لوموند" الفرنسية مؤخّرا وفي سياق اهتمامها بالتوقعات للعام الجديد أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة افريقيا بامتياز. ولم تعوّل الصحيفة على المنجّمين والعرّافين وكل من يدّعي في العلم معرفة بما خفي عن الخلقة من أمور مثلما هي عادة أغلب الصحف الغربية ومقلديها من الصحف العربية وإنما اعتمدت على دراسات علمية دقيقة وتوقعات قريبة من الحقيقة لأنها تستند إلى أرقام وإلى وقائع وإلى نظرة استشرافيّة نافذة لتصل إلى أن ساعة افريقيا ربما قد حلت مجددا بعد فترات طويلة عجاف. وفي الحقيقة إننا وإذ نتلقّى الخبر باهتمام فإنّنا لا نقوم بذلك دون أن نشعر بشيء من الأمل لأنّ افريقيا قارّتنا السمراء ستكون على ما يبدو مركز الإهتمام ولكن الأسباب تختلف هذه المرّة. فقد ارتبطت صورة افريقيا منذ عقود بالتخلف وتفشي الأمراض والفقر والمجاعة والحروب الأهلية حتى لتبدو أن قرونا من الزمن تفصلها عن العالم المتقدم أمّا اليوم فإنّ مستقبل إفريقيا وحسب التوقّعات التي حملتها صحيفة " لوموند" يبشّر بمرحلة جديدة وبصورة مختلفة هي بالأحرى إيجابيّة حيث يتوقّع أن تكون إفريقيا قبلة رجال الأعمال من العالم والمستثمرين من مختلف أنحاء العالم. افريقيا ورغم بعض بقايا الحروب والنزاعات ورغم التحديات التي تواجهها لا سيّما منها النسبة المرتفعة من الشباب من السكان الذين يخرج من بينهم سنويا مزيدا من طالبي الشغل فإن القارة السمراء تمثل اليوم قبلة القوى الجديدة التي تستعمل ذكائها في الكشف عن الإمكانيات الكبيرة والفرص التي توفرها القارة السمراء للإستثمار وقد قوّى العملاق الصيني والمارد الإقتصادي القادم على عجل مكانه بالأراضي الإفريقية كما أن الشركات الكبرى ومتعددة الجنسيات تراهن على قارتنا في تحقيق مشاريع كبرى وذات مردودية يتوقع أن تكون بالمليارات. قلنا إذن إن قارتنا السمراء هي عبارة عن "إلدورادو" جديد بالنسبة للقوى الإقتصادية الكبرى والقوى الصاعدة ذات النهم الكبير في الإستثمار واكتشاف الأسواق الجديدة. كل ذلك إيجابي لكن هل يعني أن المسألة بديهية ويجب أن نهلّل لعودة العالم إلى الأصل أي إلى افريقيا مهد الإنسان بدون أي تحفظ ؟ قطعا لا فكل ما سبق لا يجب أن يجعلنا نغفل عن أذهاننا أن الإقبال على افريقيا لا تحكمه أسباب تتعلق أساسا بالوقوع فجأة في غرام القارة السمراء حتى وإن كانت هي الاصل في الوجود وحتى وإن كان الإنسان قد خرج من رحمها وإنما لغايات ربحية نفعية بالأساس. وهو ما يتطلب اليقظة وفتح الأعين حتى تعود الفائدة على أبناء القارة السمراء الذين تعبوا كثيرا وضحوا كثيرا واستخدموا طويلا من أجل الآخرين وسخّروا لخدمتهم في حين كان نصيبهم دائما القليل القليل. اليقضة تتطلب تضامنا بين بلدان القارة السمراء وانفتاحا على بعضها البعض أكثر فأكثر. لنضرب على ذلك مثلا العلاقة بين الجزء الشمالي من القارة وجنوبها وبقية أجزاء القارة السمراء. ما يجمعنا هو القليل ورقم المعاملات يكاد لا يذكر وذلك رغم ما تتوفر عليه بلدان افريقيا من فرص للتكامل. فإن كنا مثلا في تونس نفتقر إلى الموارد الطبيعية فإننا نملك الخبرات ونحن أغنياء بالموارد البشرية الذين يمكنهاأن تستثمر في باقي البلدان الإفريقية. إن كانت أوروبا التي تتخبط بدورها في مشاكل مادية كبيرة تزداد على مر الأعوام انغلاقا في وجه بلدان شمال افريقيا فإننا لنا في افريقيا فرصا ربما لا تقدر بثمن. لقد حان ربما الوقت لتغيير وجهاتنا وطرق أبواب الأسواق الإفريقية بجدية وبعث المشاريع المشتركة في قارتنا التي وإن كنا نعيش على أراضيها فإننا نبقى في عزلة عنها لفقر البينة الأساسية التي تربط بين بلدان افريقيا وخاصة في مجال المواصلات . لقد آن الأوان ربما لمدّ جسور التعاون والتلاقي مع بلدان نشترك معها في الأرض فأبناء افريقيا هم أولى بالفرص المتاحة والتي تسيل لعاب الآسيويين والأمريكييّن والأوروبييّن الذين يهيئون أنفسهم للوثب على كل ما هو أخضر ويابس في القارة الإفريقية. مرة أخرى نقول إن أبناء افريقيا هم أولى بخيراتها.