عندما يكون معطى الأمن القومي في الميزان فإن أي تحد آخر مهما كانت درجة خطورته يصبح ثانويا أمام التحدي الأمني في بعده القومي.. نقول هذا لا فقط اعتبارا لخطورة التطورات التي عرفها النزاع المسلح في مالي بعد دخول فرنسا عسكريا على الخط وإنما اعتبارا أيضا للطبيعة الإرهابية للأطراف التي ما انفكت تبرز كقوة متمردة مهددة للأمن والاستقرار في منطقة شمال القارة الإفريقية وغربها ممثلة خاصة فيما يعرف بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من جهة وفسيفساء الجماعات الجهادية المنتشرة في مالي وعلى الحدود مع الجزائر وموريتانيا وغيرها من جهة أخرى وما من شك أنه واعتبارا لخصوصيات الوضع الأمني والاجتماعي الذي تعيشه بلادنا منذ نجاح الثورة وسقوط دولة المجرم بن عليّ.. واعتبارا أيضا لما شهدته بالتزامن الجارة ليبيا من ثورة مسلحة على نظام القذافي انتهت بسقوطه مع ما ترتب عن ذلك من محاذير لازالت تداعياتها تلقي بظلالها على الوضع الأمني في مناطقنا الحدودية المشتركة فانه يصبح لزاما التنبيه إلى ضرورة أن تأخذ كل الأطراف الوطنية (أحزاب سياسية ومنظمات اجتماعية ونقابات..) بعين الاعتبار هذا «المعطى» حتى لا تكون من حيث لا تدري - وبشكل من الأشكال - عونا للجماعات المتطرفة التي يسرها قطعا أن تنخرم الأوضاع الأمنية وأن يسود الاحتقان الاجتماعي في بلدنا فتأتينا من بوابته.. طبعا هذه ليست دعوة للأطراف الوطنية لكي تمتنع عن الاضطلاع بواجبها الوطني في عملية التأسيس للدولة التونسية الجديدة (دولة العدالة والحريات والقانون والمؤسسات) أو أن تمتنع عن التنبيه للأخطاء والانحرافات.. وإنما دعوة لها لكي تصدر في أدائها لهذا الواجب المقدس عن مراعاة المصلحة الوطنية أولا قبل المصلحة الحزبية أو الفئوية.. للأسف،، إن بعض «الأحداث» والاضطرابات الاجتماعية التي عرفتها بلادنا على امتداد السنتين الأخيرتين تحيل في جانب منها على شكل من أشكال الاستهتار بمعطى أمننا القومي وبضرورة الحرص على وحدتنا الوطنية ووحدة نسيجنا الثقافي والاجتماعي لدى بعض الأطراف السياسية والاجتماعية... وهو ما يستدعي بالتأكيد مراجعة هذه «الأطراف» لجانب من المقولات التي يتأسس عليها «فكرها» السياسي أو «توجهاتها» النقابية.. إن الحرص على نجاح الثورة التونسية وجعلها تحقق أهدافها كاملة لما فيه مصلحة الوطن والأجيال يستدعي اليوم أن تتحمل كل الأطراف الوطنية مسؤولياتها في عملية تجنيب بلادنا تبعات أية مستجدات أمنية إقليمية طارئة قد يكون لها انعكاس على أمننا القومي ومسار الانتقال الديمقراطي الذي نعيشه مثلما هو الشأن مثلا بالنسبة للأحداث المؤسفة القائمة في مالي... وهو تقريبا ما أكد عليه البلاغ الصادر أمس عن الحكومة في أعقاب الاجتماع الطارئ للرئاسات الثلاث بقصر قرطاج بحضور وزير الدفاع والفريق رشيد عمار قائد أركان الجيوش الثلاثة الذي دعا «سائر القوى الوطنية ومكونات المجتمع المدني إلى تحمّل مسؤوليتها ومعاضدة الجهود الأمنية والسياسية والتوعية الثقافية والدينية لعزل المجموعات العنيفة».