- في جلسة عامة انتظمت مساء أمس بقصر باردو بعد تأخير دام ساعة، واصل نواب المجلس الوطني التأسيسي مناقشة باب الحقوق والحريات الوارد في مسودة الدستور، وطالبوا بدسترة تجريم العنف بشتى أشكاله ومهما كان مأتاه، وتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، كما دعوا إلى دسترة حقوق المناطق المحرومة في التنمية وخاصة الأرياف النائية. وقبل الشروع في النقاش العام طالب النائب محمد علي نصري بتكوين لجنة للتحقيق في ما كشفته "جمعية مراقبون" من اختلاف في صيغة نص قانون الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بين النسخة المصادق عليها في المجلس الوطني التأسيسي، وتلك الصادرة في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية. وفي ما يتعلق بمقترحات دسترة حقوق التونسيين المفقرين والمسحوقين منذ عقود طويلة، بين النائب عادل بن عطية أن المسودّة أهملت الأرياف رغم أن ثلاثة أرباع السكان يقطنون فيها، ودعا إلى التنصيص على التزام الدولة بتنمية الريف والرفع من مستوى سكانه، وفي نفس السياق طالب النائب الناجي غرسلي بتمييز المناطق الداخلية تمييزا إيجابيا في الدستور، ودعا المجموعة الوطنية إلى رفع الضيم على المناطق المحرومة، وبين أن الثورة التونسية هي ثورة من أجل تحقيق التوازن الجهوي وتوزيع الثروة توزيعا عادلا، وذكّر أنها انطلقت من المناطق الداخلية.. وأنها ثورة صاحب "العربة" وأبناء تالة والقصرين، الأمر الذي يتطلب على حدّ تأكيده، تثبيت حقوق أبناء المناطق الداخلية.. ودعا إلى ضرورة دسترة حق العمل وحق العلاج والتعليم المجاني، كما طالب غرسلي بدسترة تجريم العنف بكل أشكاله. وأشارت النائبة يمينة الزغلامي إلى أن باب الحقوق والحريات هو من أهم أبواب الدستور، ولكن لا يكفي التنصيص على حقوق وحريات، بل يجب تكريس هذه الحقوق والحريات في الواقع من خلال جملة من الآليات وخاصة المحكمة الدستورية.. كما طالبت النائبة بأن تتولى الدولة حماية مؤسسة الزواج والأسرة وحماية حقوق المناضلين والمقاومين، وأكدت على ضرورة تضمين المكاسب الواردة في مجلة الأحوال الشخصية في الدستور. ويرى النائب المنجي الرحوي أن تونس يمكن أن تكون أحسن وأجمل حينما تحترم فيها حقوق الانسان والحرية احتراما طوعيا وسأل النائب زملاءه بالمجلس الوطني التأسيسي: "كيف لنا ألا ننصص في دستور ما بعد الثورة، على حق الشعب في تقرير مصيره بنفسه؟ وكيف لا ننصص صراحة على حق الفقراء والمعدمين ومن ليس لهم دخل؟ وعلى واجب الدولة في القضاء على الفقر؟ وكيف لا ننصص على واجب الدولة في ضمان التنمية العادلة بين الجهات؟ وكيف لنا أن نجعل من الحق النقابي حقا مشروطا؟ وكيف لنا ان نحدّ من حرية الإعلام؟ وكيف لنا ان نعتبر الحق في الحياة أول الحقوق ولكننا نقيده بقانون؟ كما أكد الرحوي أن الحق في الصحة والحق في العمل والحق في المسكن اللائق هي حقوق أساسية وجب على الدولة ضمانها. وطالب بتضمين الدستور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي جاءت من أجلها الثورة.. ولاحظ أن أغلب الحقوق والحريات وردت مقيدة بصيغة "وفق ما يضبطه القانون" وهو ما يحدّ منها.. وأضاف متوسلا: "دعونا نكتب دستورا يؤلف بين التونسيين، ويكون قادرا على جمعهم للعقود القادمة".. وفي نفس الإطار ذكرت النائبة سميرة مرعي أن الغاية من الثورة هي القطع مع الاستبداد، والتأسيس للحقوق والحريات التي قيدها الدستور السابق بعبارة "وفق ما يضبطه القانون".. وقالت إن الدستور لا يأتي لتقييد الحريات بل لضمانها، وطالبت باحترام المرجعية الدولية لحقوق الانسان، معتبرة أن التنصيص على هذه المنظومة الكونية هو ضمانة للتونسيين، ولاحظت غياب نص يشير إلى حرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية. وذكر النائب كمال بن رمضان أن دستور 1959 استعمل لسلب الحريات وليس العكس، وطالب بالتركيز على حقوق الشباب وحقوق التنمية، وقدم مقترحا مفاده أن الدولة مطالبة بالعمل على وضع منوال تنموي يحقق العدالة الاجتماعية والتكافل والتوازن الجهوي وحماية حقوق المستهلك وضمان حدّ أدنى للأجور.. كما طالب بتفصيل الفصل المتعلق بحق النفاذ إلى المعلومة، ودعا لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني وتجريم الاعتداء على المقدسات المتمثلة في القرآن والأنبياء والرسل والكتب السماوية. الإسلام والإبداع وطالب النائب البشير شمام بضبط الفصل المتعلق بحرية الابداع، وفسّر أن الفن في المنظور الانساني هو محاولة للتعبير عن الجمال والحسن، فيبهر الانسان ويغمر وجدانه بالإحساس، وهو اذا كانت حقيقته كذلك فإنه من المستحيل ان يحاربه الاسلام او يعاديه، لأن الاسلام دين الفطرة.. وقال: "نحن لا نرفض الابداع ولكن ينبغي ضبط هذه المصطلحات بما لا يتجاوز القيم والأخلاق". وبين النائب عماد الحمامي أن الفصول الواردة في باب الحقوق والحريات في حاجة إلى تبويب، على أن يكون في هذه الحقوق والحريات تحقيق لأهداف الثورة وضمان لعدم رجوع الاستبداد وضمان نصيب الاجيال القادمة منها، ولاحظ أن كلمة ذوي الدخل المحدود المرتبطة بحقوق العلاج تحتاج الى توضيح لان ذوي الدخل المتوسط يحتاجون الى الدعم لتوفير مصاريف العلاج، ودعا إلى دسترة حق الرفاه وجودة الحياة، وذكر ان الدولة مطالبة بالتشجيع على الرياضة. أما النائب نعمان الفهري فذكر أن الوطن يجمع كل التونسيين وأيضا المستقبل هو للجميع وطالب النواب بسن دستور تفخر به الأجيال القادمة تكون فيه الحرية أصلا لا تقيّد بقانون.. حرية الفكر والضمير وحق الأقليات العرقية والدينية ومبدأ التناصف. حقوق المرأة كثيرا ما تعالت أصوات النائبات مطالبة بالتناصف، وفشلن في إقراره في القانون المتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات.. وهن يكررن المطالبة به وتضمينه في الدستور.. وفي هذا السياق دعت النائبة يمينة الزغلامي بدسترة التناصف وتكريس حقوق المرأة، وهو نفس ما طالب به النائب نعمان الفهري. لكن النائب الطاهر هميلة ذهب إلى أبعد من ذلك وأشار إلى وجود الكثير من الحشو في مسودة الدستور وبيّن أن المرأة سابقا كانت مسحوقة لكنها الآن أحرزت على حقوقها وهي مواطن كامل الحقوق ومن المفروض التركيز في دستور الجمهورية الثانية على مفهوم المواطنة وليس على الاشخاص. وعبرت النائبة سميرة مرعي عن استغرابها من وجود فصل وحيد يتحدث عن المرأة ودعت إلى التنصيص على حقوق المرأة البدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية على أساس المساواة بينها وبين الرجل مع إلزام الدولة باتخاذ التدابير اللازمة لجعل هذه المساواة فعلية. الإعدام.. اللجوء السياسي وفي مداخلة طريفة كمداخلاتها السابقة، أطرت النائبة سنية تومية على نفسها وعلى نجاحاتها، كما بينت أنها تعيب على لجنة الحقوق والحريات عدم الاستماع إلى مختصين في الشريعة ليقدموا وجهات نظرهم في مسألة عقوبة الإعدام.. وأكدت أنها لن تصادق على باب الحقوق والحريات وعلى الدستور إذا لم يتضمن التنصيص على حرية اللباس، وعلى جبر الضرر لضحايا الاستبداد.. وذكر النائب عامر العريض أن الحقوق يمكن التنصيص عليها في الدستور لكن لا بدّ من التفكير في ضمانات الحرية، ولاحظ أن تونس يمكن أن تكون عاصمة تضمن حق اللجوء السياسي لأيّ مضطهد في الأرض من أجل رأيه. وأوضح أن مسودّة الدستور لم تترجم إلى حدّ الآن رسميا إلى أيّة لغة أجنبية، وبين أن هناك ترجمة كاذبة يقصد منها تشويه نواب المجلس الوطني التأسيسي ودعا التونسيين المقيمين في الخارج إلى الانتباه لهذا الأمر. سعيدة بوهلال