قال الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله «فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين» (سورة آل عمران آية 159). وقال «ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم» (سورة فصّلت آية 34 - 35). وفي (سورة النحل آية عدد 125) قال «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ظل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين». وفي (الشورى آية عدد 48) قال «فإن اعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا، إن عليك إلا البلاغ». وقال أيضا في (سورة الجاثية آية عدد14) «قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون». و ذكر مسلم في صحيحه في الجزء السادس عشر الحديث رقم 2593 عن عمرة عن عائشة زوج النبي صلي الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه». وأيضا في الحديث عدد 2594 عن شعبة عن المقدام عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه». و في رواية الآن... هنا أو شرق المتوسط مرة أخرى ذكر عبد الرحمان منيف على لسان الراوي عادل الخالدي نماذج من التواصل بين حساسيتين فكريتين مختلفتين في إطار زماني ومكاني يشملهما وقال: «بعد أن انتهت الصلاة نظروا إليّ بازدراء: كيف أجرؤ فلا استجيب للصلاة أولا. كيف تبلغ الوقاحة بهذا الوافد الجديد أن يستغل صلاتهم وفترة انشغالهم ليغير في مواصفات المهجع؟ بصمت لكن بتصميم بدؤوا حربهم: بالمقاطعة، بالتجاهل، بنظرات التحدي والسخرية ثم بالتعريض، إلى أن وصلنا إلى المجابهة. كلما استعيد تلك الأيام أقول لنفسي بصوت عال: «الله كم لدى الناس من الحماقة» كنا جميعا صغار العقول إلى درجة يرثى لها كنا نجر للتفاهمات واستفزاز الحرس وللوشايات الكاذبة، كنا نملك تجاه بعضنا، مقدارا من الحقد يكفي لتدمير ممالك. أما ردود أفعالنا لكلمة، لنظرة، فلم يكن يوازيها إلا تصرفات المجانين. كيف غاب العقل خلال تلك الأسابيع أو أين اختفى ؟» «لقد كنا مجموعة من الحمقى، مخدرين وسريعي الإثارة، وكنا مستعدين أيضا لكي نساق كما يريد الآخرون، ومن هم هؤلاء؟ الحثالة، الذين يريدون رؤوسنا، والذين عجزوا على كراهيتنا كلنا، لكنهم برعوا في إخفاء هذه الكراهية، في توزيعها على من يريدون ومتى يريدون. وكنا نحن المحصورين في هذا المهجع.. شديدي الانقياد والاستجابة». «لا أعراف كيف أقول ما أفكر فيه، ولكن علينا أن نتذكر دائما أننا سجناء وأن أبا سمير وغيره هم السجانون، قد تختلف آراؤنا، ولكن إذا كنا شجعان وأذكياء فيجب أن نؤجل هذه الخلافات الآن لأن ليس هنا مكان حلها، إنما تحل في ظل الحرية وبين رجال أحرار». «أربعة أسابيع، وعدة أيام ونحن.. نخض الماء و نجرب، لم نتأكد انه ماء إلا في اللحظات الأخيرة، مع أن الأمور كانت واضحة لحظة لقائنا وقبل أن نلتقي لكن يبدو أن هذا الكم من الحماقة الذي يرقد في قلب الإنسان يجعله يفكر بطريقة حمقاء أولا، و يدفعه لأن يتجاوز البديهيات بعد ذلك.. وإلى أن يقتنع، وبعد أن يدفع ثمنا وغالبا ما يكون كبيرا وفي بعض الأحيان، حياته.. يتعلم.. لكن الوقت يكون متأخرا». هذه حالنا دائما، فلا معاني النصوص رسخت وأنارت لنا السبل، ولا من روحها، استطعنا تحديد رؤيتنا لأهدافنا الكلية، ولا تجاربنا التي اكتوينا بنارها، صقلتنا وعلمتنا أن الوطن لنا جميعا، نبنيه معا، وننشد عزه وحريته، ولازدادت من يقيننا بان أحلام الشعوب توأد، وخيراتها تسرق، وحرماتها تنتهك عندما تتلهى قطاعات الشعب بالرقص على عزف كهنة السلاطين، وتترك الفضاء للعسس كي يعمروه، بأدواتهم، التي انتفضنا، كي نفتكها منهم.. فيخرج منهم الوصي والدعي والثورجي على الحلم والمشروع ويخرج من بين ظهراني الشعب بعد أن يدب الضمور بين أطرافه السباب والشتام واللعان. ولم نصل بعد والى حد الساعة إلى الحالة التي عبر فيها منيف على لسان السجان أبو سمير حيث قال: «الظاهر إن الدنيا في نهايتها، فإذا صار يرعى الذيب مع الغنم، وصار الإخوان مع الشيوعيين، فدبر راسك يا أبو سمير..». ولم نصل بعد ومع بعضنا إلى أن يحمل، كل منا، أمتعته مع حبتين من البرتقال واتجهنا، لبناء وطن. كما ذكر عادل ألخالدي في الآن..هنا «وحملت أمتعتي، مع حبتين من البرتقال، واتجهت..». لكن الأمل والرجاء أن يجتمع الجميع مع كل الطاقات الخلاقة في المجتمع على كلمة سواء تداوي الجروح ويواجه بها الاستبداد والظلم والفساد والانحراف المقصود عن تطلعات وخيارات الشعب التي قدم لها خيرة الفلذات وسقاها بأطهر دماء ونادى بها طوال مواجهته للقمع بصدور عارية وأكف ندية وهي: شغل، حرية، كرامة وطنية...