علمت "الصباح" انه من المتوقع ان يعرض رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي في بحر الأسبوع الجاري التشكيلة الوزارية الجديدة التي يراها مناسبة على أنظار المجلس الوطني التأسيسي لتزكيتها بعد استنفاذ المباحثات مع أحزاب المعارضة دون التوصل إلى توافق، حسب ما اعلن عنه في لقائه الإعلامي السبت الفارط. ويبدو ان قرار الجبالي لم يكن اعتباطيا او بمحض الصدفة بل اتخد بعد معادلة حسابية داخل التأسيسي حسبت فيها حركة النهضة الأصوات التي ستزكي الحكومة الجديدة، وإن لن تكون التزكية باغلبية مريحة. ورغم تضارب الآراء حول قرار رئيس الحكومة الذي قرأه البعض على انه "نوع من لمّ شتات الأصوات" دون احتساب خطورة هذه الخطوة على المرحلة الانتقالية، إلا أن بعض السياسيين اعتبروه معادلة قد تتحقق اليوم وتزول غدا ويبقى الخيار الافضل في التوافق وتجنيب رئيس الحكومة هذه المجازفة، اما نواب حركة النهضة فقد اعتبروها خطوة ايجابية نحو توسيع الائتلاف الحكومي وهو احد ضمانات نجاح التشكيلة الوزارية المرتقبة. كتلة النهضة ستلتزم بالتصويت وبعد ما روّج من وجود خلافات بين رئيس الحكومة المؤقتة وزعيم حركة النهضة بشأن التحوير الوزاري والتي اعتبرها الجبالي "خلافات ان وجدت يمكن ان تسوّى بطريقة ديمقراطية"، تبقى فرضية رفض الشق القريب من الغنوشي في كتلة الحركة التصويت على تشكيلة رئيس الحكومة قائمة. ولئن فند ذلك النائب عن حركة النهضة عبد المجيد النجار ل"الصباح" بقوله: "كتلة حركة النهضة هي كتلة واحدة وحتى ان كان صلبها من هو غير مقتنع بالتعديل الوزاري الذي سيقدمه رئيس الحكومة فانه سيلتزم بذلك وستبقى هوامش الاختلاف في الحركة في أمور غير جوهرية." وأضاف قائلا:"كتلة حركة النهضة هي مؤسّسة من مؤسّسات الحركة وعليها إتباع مؤسّسات الحزب". في حين قال عماد الحمامي نائب المجلس التأسيسي عن حركة النهضة ان عدم إعلان رئيس الحكومة عن التحوير الوزاري السبت الماضي كان نتيجة عدم توسّع دائرة الائتلاف، أما بالنسبة لضمان المصادقة على التشكيلة التي سيعرضها رئيس الحكومة على أنظار التأسيسي، فأكد أنها "حاصلة"، مفيدا أن ا"لحركة تحوز على 89 صوتا إضافة الى الكتل الصغيرة التي أبدت موافقتها على التشكيلة الجديدة وهذه الكتل تضم نحو 25 نائبا دون احتساب نواب التكتل والمؤتمر من اجل الجمهورية." وأبدى نزار قاسم عن كتلة الحرية والكرامة استعداد كتلته المتكونة من 11 نائبا التصويت على التشكلية التي سيعرضها رئيس الحكومة في بحر الأسبوع الجاري مضيفا" رغم احتمال حصول التشكيلة الجديدة على مصادقة الأغلبية إلا أنها لن تكون أغلبية مريحة". التحوير ليس معادلة حسابية من جانبه قال نائب التكتل المولدي الرياحي ان التعديل الحكومي "ليس مجرد معادلة حسابية داخل المجلس الوطني التأسيسي نحتسب فيها الأصوات بالجمع أو بالطرح." واعتبر ان رئيس الحكومة "هو المسؤول الأول عن عملية إجراء التحوير الوزاري بالتشاور مع العائلات السياسية التي نريد ان ننفتح عليها على أساس القواعد التي ضبطناها معا وتتعلق بتقليص الفريق الحكومي وتوفير انسجام بين أعضاء الحكومة ورئيس الحكومة دون غيره". وقال موضحا :" على هذا الأساس اعتبرنا انه لا موجب لإحداث منصب منسّق عام للعمل الحكومي إذا أردنا ان نعطي ظروفا أفضل لرئيس الحكومة لأداء مهمّته العليا في الجهاز التنفيذي." ودعا الرياحي إلى "إرساء شراكة فعلية بين أطراف الائتلاف الذي يراد توسيعه"، داعيا قيادات وإطارات حركة النهضة مساعدة رئيس الحكومة على القيام بالتحوير على أساس ضمان كل الظروف والشروط المتعلقة بإنهاء ما تبقى من المرحلة الانتقالية. وحسب الرياحي فإن عرض رئيس الحكومة التعديل الوزاري على أنظار التأسيسي دون حصول التوافق حول التشكيلة الحكومية المرتقبة "سيكون مجازفة لأنه في حال لم يتم تحييد وزارات السيادة فسيتحمل كل طرف مسؤوليته في ذلك." نقل أزمة التحوير الى «التأسيسي» أما عصام الشابي النائب عن الكتلة الديمقراطية فقد رأى أن في قرار الجبالي عرض التشكيلة الوزارية الجديدة على أنظار التأسيسي "تهديد بنقل الأزمة من ساحة القصبة إلى فضاء المجلس الوطني التأسيسي وهي رسالة موجهة الى أطراف الترويكا والى داخل حركة النهضة أكثر من ما هي موجهة إلى أحزاب المعارضة." وقد اعتبر الشابي ان مصلحة البلاد تقتضي البحث في حلول جدية لهذه الأزمة خاصة وان الحكومة الحالية غير قادرة على مواصلة قيادة البلاد فيما تبقى من المرحلة الانتقالية وهذا الرأي تتفق فيه الأحزاب السياسية بقطع النظر عن موقعها في الحكم أو خارجه. واستبعد الشابي ان تحصل التشكيلة التي يعرضها الجبالي على التأسيسي على أصوات الأغلبية. ولاحظ :" في حال تحصلت القائمة الوزارية على 109 أ صوات فإنها ستصبح عنوانا لازمة جديدة خاصة أن تونس الآن تحكم بحكومة حازت على مصادقة 14 صوتا وهذا يعد تراجعا في الأصوات وتفكير الجبالي في جمع شتات الأصوات هي عملية خاطئة لان الهدف هو تجميع الإرادة الوطنية ونيل الحكومة لثقة التونسيين." حسب تقديره. الدستور الصغير "نصّ ازمات" ولم يقتصر تضارب الآراء على القراءة السياسية لقرار الجبالي بل كان للمختصين في القانون الدستوري رأيهم حول هذا القرار الذي رآه البعض خرقا للدستور الصغير الذي لم يأت على هذه الوضعية في مختلف فصوله في حين اعتبرها آخرون تطبيقا لما ينصّ عليه قانون التنظيم المؤقت للسلط العمومية. وقال أمين محفوظ أستاذ القانون الدستوري ان العلاقة بين المجلس الوطني التأسيسي والحكومة ينظمها الدستور الصغير وهذا القانون فيه عديد الإشكاليات فقد تضمن نص القانون نيل الثقة التي ينظمها الفصل 15 ومسألة سحب الثقة بمقتضى الفصل 19 لكن لم يأت على مسالة التحوير الوزاري. وأضاف محفوظ ان الإشكال القائم حاليا هو في انه لا يوجد وزراء مستقيلون أو إقالات وهنا لا ينطبق عليهم حالة الشغور ووفقا لنص الدستور الصغير فانه لم تعط لرئيس الحكومة صلاحيات الإقالة بل أعطته صلاحيات التشكيل الحكومي. ووصف محفوظ الدستور الصغير "بنصّ الأزمات" لأنه بإمكان الوزراء الذين يقيلهم رئيس الحكومة رفض الامتثال لقراره. وفي هذه الحالة رأى أستاذ القانون الدستوري انه على رئيس الحكومة تقديم استقالة جماعية او توجيه لائحة لوم من التأسيسي والرجوع إلى رئيس الجمهورية ليحسم المسألة ويعيّن الشخصية المناسبة لتشكيل الحكومة الجديدة. أما أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد فقد اعتبر في تصريحاته الإعلامية "ان قرار رئيس الحكومة ليس مناورة سياسية وإنما هو تطبيق لما نص عليه القانون المنظم للسلط العمومية ". استئناف المشاورات وفي انتظار عرض الجبالي للتشكيلة الحكومية الجديدة على أنظار التأسيسي تبقى جميع الاحتمالات واردة فقد تتوصل الاطراف السياسية الى توافق حول التعديل الوزاري خاصة بعد الاخبار التي تفيد انه تم الاتصال ببعض الأحزاب لاستئناف المشاورات حول التحوير الوزاري.