صفاقس - الصباح: احتضن المركب الثقافي محمد الجموسي بصفاقس بعد ظهر الجمعة الماضي حلقة جديدة من المنتدى الثقافي نظمها فرع صفاقس لجمعية الدراسات الفلسفية وحضرها عدد هام من أساتذة الفلسفة والمتخصصين فيها والمهتمين بها والجامعيين والمثقفين، فكانت جلسة شيقة وممتعة ومفيدة جدا لما تضمنته من قضايا جديرة بالمتابعة ونقاش ثري ودسم .هذا اللقاء الحواري أداره الأستاذ محمد نجيب عبد المولى، وفي مفتتح هذه الحلقة قدم الأستاذ نور الدين السافي أعمال الدكتور الطاهر بن قيزة وفكره ومختلف الخصائص التي تميز بها عن غيره كمدخل لهذا الحوار الفلسفي. 40 دولة تدرس الفلسفة للأطفال إثر ذلك، فسح رئيس الجلسة المجال للدكتور الطاهر بن قيزة لكي يتحدث عن رهانات الفلسفة العقلانية اليوم، والدكتور الطاهر بن قيزة هو أستاذ جامعي متخصص في الفلسفة، متحصل على الدكتوراه في الفلسفة عن العقلانية التوفيقية في الفلسفة (لايبنيتز)، يدرس بالجامعة التونسية، أصدر العديد من البحوث والدراسات والكتب منها "العقلانية التوفيقية في فلسفة لايبنيتز" باللغة الفرنسية و" دراسات في العقلانية التوفيقية" باللغة العربية و"رهانات العقلانية المعاصرة: ديكارت ولوك ولايبنيتز"، وترجم وقدم وعلق على مقال في الميتافيزيقا للايبنيتز، ونشر العديد من المقالات حول فكر هذا الفيلسوف وحول العديد من المسائل الفلسفية الهامة منه: "الخصوصية الثقافية والكلية "و"حوار الثقافات والأديان "و" وحدة الدين عند ابن رشد ووحدة الكنائس عند لاينيتز". استهل حديثه بالقول بأنّ هذا الموضوع لا يهم أحدا اليوم ،فالفلسفة قد تغيّرت حالها في القرن الحادي والعشرين، بعد حديث مطول في القرن العشرين عن موتها، ثم ذكر أنّ الفلسفة موضوع من لا موضوع له، وأشار إلى أنّ الفيلسوف هو إنسان مشاكس منذ سقراط، بعدها خلص إلى الحديث عن اهتمام أوروبا بالفلسفة مع مطلع هذا القرن، في هذه المنطقة من العالم تكاثرت المقاهي الفلسفية والمجلات، وبدأ الحديث عن تدريس الفلسفة للأطفال، فذكر أنّ هناك مؤسّسة تهتم بتدريس الفلسفة في رياض الأطفال، وهناك 40دولة تدرس هذه المادة للأطفال، من بينها إسرائيل، وانتهز الفرصة ليوجه تحية إلى صفاقس التي تحتضن المقهي الفلسفي الوحيد في بلادنا . عقلانية لايبنيتز وديكارت إثر ذلك خلص إلى الحديث عن حكم الإسلام في تدريس الفلسفة، وذكر أنّ البعض يرى أنّه لا يجوز الاشتغال بالفلسفة إلاّ لمن يحاول تفسير ضلال الفلاسفة، وأشار إلى أنّّ هؤلاء لا يحسدون على وضعهم الحالي، وأنّ واقع الفلسفة تدريسا واهتماما قد تقلّص في العديد من البلدان العربية بطريقة مفجعة، هذه البلدان أطردت العديد المتعاونين بها، وبيّن أنّ من يشتغل بالفلسفة عليه أن يتخصص في فيلسوف معين ويعاشره قدر الإمكان، وذكر أنّه ابن الجامعة، لقد تعلم على أساتذة تونسيّين وفرنسيّين، وأنّ اهتماماته هي اهتمامات جيله، لذلك فهو يواصل في نفس الاتجاه، فاهتم بديكارت ولابنيتز، لاسيما هذا الأخير الذي تحدّث عنه بإسهاب كبير في هذا اللقاء، فهو فيلسوف شغله فكره كثيرا، ثمّ تحدث عن الاتجاه العقلاني والاتجاه الإيماني، واعتبر أن المعتزلة من العقلانيين وركز على أن عقلانية لابنيتز هي عقلانية ذات قطبين: نظري وعملي، وأكّد على أنّ المشاكل العملية ينبغي لها أن تكون قادرة على تطوير المسائل النظرية، وتطرق فيما بعد إلى وحدة العالم ووحدة المعرفة ووحدة الذات لدى ديكارت، وذكر أن مصير الكائنات البشرية يكمن في التناغم مع الكائنات الأخرى، وكان في كل مرة يعود إلى لابنيتز فذكر أن هذا الأخير يرى أنّه لابد للعلم أنّ يقرّ بضرورة إقحام البعد الإيتيقي والغائي في بحوثه المتعددة معترفا بحدوده الداخلية، واعتبر الدكتور الطاهر بن قيزة العقلانية التزاما، فهي ليست مدرسة وإنّما هي موقف. في هذا اللقاء الفكري تميز تدخل ضيف المنتدى بالسلاسة والطرافة والجاذبية، ثم ما فتئ فيما بعد بمرور الزمن في هذه الجلسة يزداد تعقيدا وصلابة بصفة تدريجية، عموما كان لقاء شيقا للغاية نسي خلاله متتبّعوه أنفسهم، فراحوا يصغون باهتمام كبير غير مشروط إلى الرجل وهو يسرد تارة ويستطرد ويحلل ويناقش ويستشهد ويستدل بين الفينة والأخرى معتمدا عقلانية الفلاسفة.