توقف الكاتب في الجزء الاول من مقاله عند ضعف التمثيل الديبلوماسي التونسي في افريقيا وانعكاساته على العلاقات وفي الجزء الثاني يقول:2) القارة الأمل القارة المستقبل: على عكس ما يحدث في اوروبا وأمريكا الشمالية واللاتينية والتي تمر أغلب دولها بأزمة اقتصادية حادة فإن القارة السمراء تمثل اليوم فضاء الاستثمار والفرص المربحة دون منازع. فبمعدل للنمو الاقتصادي يبلغ %5 سنويا وهو معدل مستمر منذ 10 سنوات لم يعد يثق المحللون الاقتصاديون في امكانية التعويل على الاقتصاد الافريقي لتجاوز نسبة هامة من الركود الاقتصادي العالمي. ويفسر المحللون الاقتصاديون ثقتهم هذه بما يوفره الاقتصاد الافريقي من فرص للتنمية خاصة بروز ما يسمى بالطبقة الوسطى والتي يبلغ عددها حوالي 300 مليون نسمة من مجموع مليار ساكن افريقي في القارة. فهذه الطبقة التي يتراوح دخل الفرد فيها من 2 الى 20 دولارا يوميا هي التي اصبحت محل انظار المتتبعين للشأن الافريقي على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. وهي شريحة يتوجب علينا كتونسيين ايلاءها ما تستحق من اهتمام وعناية والتركيز عليها لما لها من خصوصيات. فهذه المجموعة من السكان وبحكم نمط عيشها الجديد وتعلقها بالحياة وبحثها عما يرسخ اقدامها على درب النمو، اصبحت لها احتياجات متنوعة من سكن وعناية بالصحة وتعليم وتغذية وترفيه، وهي قطاعات في متناول المتدخلين الاقتصاديين التونسيين. وتجدر الاشارة في هذا السياق الى أن اطرافا دولية دولا ومنظمات اصبحت تعير هذه الشريحة السكانية الافريقية اهمية خاصة لما تمثله من قدرة على تغيير الواقع السياسي الافريقي الى الافضل لذلك فهي تحثها بل وتدفعها للمطالبة بإقرار الديمقراطية خاصة مسألة التداول على السلطة ومحاربة الفساد باعتبارها ركائز اساسية لتطوير مناخ الاستثمار والاعمال داخل الفضاء الافريقي. ودون الدخول في التفاصيل فقد لوحظ في السنوات الاخيرة فقدان عدد من الرؤساء الافارقة لنسبة من الحصانة التي كان يتمتع بها من سبقهم في السلطة حيث اصبحت بعض الانظمة تترنّح وقد ازعجت الثورة التونسية البعض من تلك الانظمة التي كانت تعتقد أن استعمال القوة وكبت الحريات الاساسية يساعد على اطالة عمر تلك الانظمة. ومهما يكن من أمر فإن عمليات الانتقال الديمقراطي في القارة لم تعد بالحدث الاستثنائي واصبح بإمكان الافارقة ممارسة حقوقهم السياسية على غرار ما حدث في كل من زمبيا وغانا وملاوي. فالزائر والمقيم في عدد من الدول الافريقية يلاحظ دون عناء أن الاوضاع تغيرت عما كانت عليه في السنوات الماضية، فعدد الفضاءات التجارية الكبرى على سبيل المثال في تزايد مستمر كذلك عدد المصحات والعيادات الطبية مثلها مثل الكليات والجامعات والمعاهد التعليمية. كما عرفت البنية التحتية من جسور وطرقات تحسنا ملحوظا مما سمح ببروز تجمعات سكنية خارج المدن التقليدية وهو مؤشر اقتصادي هام اهتدت دول منافسة لتونس لاستغلاله لصالحها. وهنا لا بد من الوقوف عند ما يسميه البعض بالهجمة التركية واسعة النطاق على القارة الافريقية. ففي ظرف سنتين قام الرئيس التركي عبد الله غول ثم الوزير الاول رجب طيب أوردغان بزيارات متتالية لعدد من الدول الافريقية مصحوبين بعشرات من رجال الاعمال الاتراك. وقد صرح الوزير الاول التركي خلال زيارته الاخيرة الى جمهورية النيجر يوم 9 جانفي المنقضي أن «افريقيا تمثل مستقبلا منطقة ذات أولوية للتعاون الاستراتيجي لتركيا». كما تؤكد الارقام أن تركيا شرعت بعد في تنفيذ خططها بخصوص افريقيا ففي سنة 2010 كان هذا البلد ممثلا ب12 مركزا دبلوماسيا وفي مطلع 2013 أي في أقل من 3 سنوات قفز هذا العدد الى 34 مركزا دبلوماسيا تركيا في افريقيا كما قفزت المبادلات التجارية التركية الافريقية من 2 مليار دولار أمريكيا سنة 2002 الى 17 مليار دولار أمريكيا سنة 2011 ويتوقع أن تصل هذه المبادلات الى 50 مليار دولار سنة 2015 أي في أقل من 3 سنوات من اليوم. أما الخطوط الجوية التركية فقد تمكنت في ظرف ثلاث سنوات من ربط اسطنبول بأكثر من 30 محطة افريقية غالبا برحلات أسبوعية لا تقل عن ثلاث رحلات. هذا الواقع الافريقي الجديد الذي تتجاهله حكومتنا الحالية والذي ينتج عنه اهدار لفرص التشغيل لابنائنا سواء أكان داخل الوطن عبر آليات الانتاج الموجهة للتصدير أو خارجه باقتناص الفرص السانحة للعمل. فكيف يمكننا تغيير هذه المعطيات السلبية لتمكين تونس وشبابها من الاستفادة من هذا الفضاء المعطاء القريب جغرافيا. 3) كيف الدخول الى إفريقيا: الدخول الى افريقيا يتطلب توفر مجموعة من الشروط لعل من أهمها: أ -) إنشاء هياكل مستقلة تعنى بالشأن الافريقي وتتمثل هذه الهياكل في: بعث وزارة أو على الاقل كتابة دولة مرتبطة عضويا إما برئاسة الحكومة أو بوزارة الخارجية تكون مشمولاتها العلاقات التونسية الافريقية لا غير ويتولى هذا الهيكل الاشراف على التنسيق والمتابعة بين كافة المتدخلين التونسيين باتجاه القارة السمراء. إنشاء وكالة تونسية للتعاون مع افريقيا على غرار الوكالة التركية للتعاون المتواجدة في 8 دول والتي انجزت الى غاية سنة 2011 أكثر من 30 مشروعا في افريقيا (تجمعات سكنية، مدارس، الخ...) وتكون المهمة الاولى لهذه الوكالة البحث عن مواطن الشغل وتمكين من يرغب من التونسيين في الالتحاق للعمل بإفريقيا في تكوين سريع يساعده على التأقلم مع واقعه الجديد. إنشاء اتحاد للتضامن التونسي الافريقي تكون مهمته الاستجابة قدر الامكان لطلبات الاغاثة عند وقوع جوائح وكوارث طبيعية في البلدان الافريقية. فلهذا الجهاز أهمية كبرى إذ سيكون الرديف لكل اعمال التدخل حيث اصبحت جل الدول الافريقية تجازي الدول التي تستجيب بسرعة لنداءات الاغاثة عند وقوع كوارث و»تهدي» لها العطاءات والمشاريع. ب?) إعادة النظر بشكل كامل وجدي لمنظومة التعاون التونسي الافريقي وإعادة رسم خطوطها وتجاوز الاطار الحالي للتعاون المبني على ما يسمى باللجان المشتركة التي تجاوزتها الاحداث وأصبحت غير مجدية. فالمطلوب مستقبلا التركيز على ما يسمى بالتعاون الثلاثي مع الاطراف المتدخلة في افريقيا دولا أو منظمات أو مؤسسات تمويل صناديق التعاون والبنوك خاصة. فالتعاون الثلاثي يجب ان يصبح ركيزة من ركائز التعاون التونسي الافريقي فعلى سبيل المثال ولا الحصر هناك دول غربية مانحة لاعانات في افريقيا مثل ألمانيا واليابان وأستراليا وغيرها كثير ما تبحث عن اطراف لانجاز مشاريع في افريقيا وهذه المشاريع تمثل فرصا يتوجب علينا اقتناصها. إيلاء موضوع التكوين المهني اهمية قصوى ضمن منظومة التعاون التونسي الافريقي الجديدة وذلك لتلبية الحاجيات المتزايدة للدول الافريقية في هذا المجال حيث تفتقر هذه الدول لاساتذة ومكونين في اختصاصات عديدة كالفندقة والطبخ والكهرباء وميكانيك السيارات الخ.. التعاون التونسي الافريقي الجديد مطالب بالتركيز كذلك على الاختصاصات التالية: الميدان الفلاحي لا سيما المحافظة على المياه وحسن استغلالها وعلى تنويع الزراعات وتحسين جودتها وعلى تربية الماشية وعلى انتاج الالبان (رواندا). الميدان الصحي: الاستفادة من الاطارات التونسية حتى المبتدئة منها كالاطباء في اختصاص طب عام والولادة وطب الاطفال والاطباء المبنجين وكذلك الممرضين كما توجد مجالات واسعة للخبرة التونسية في مجال الصيدلة وصناعة الادوية من الدرجة الاولى وتسيير الصيدليات. البنية الاساسية من جسور وطرقات ومطارات ومواني وتجمعات سكنية. التعليم العالي في مجالات التصرف والاعلامية والسياحة. كل هذه القطاعات وغيرها تمثل فرصا يمكن للطرف التونسي استغلالها كما يستحسن كذلك تشريك بعض الاطراف العربية كاللبنانيين والخليجيين لا سيما الاماراتيين والكويتيين المتواجدين عبر الهيئات الخيرية أو العمانيين المتواجدين بكثرة في جزيرة جنزبار بجمهورية تنزانيا الواقعة شرق افريقيا وهذه الشركات بإمكانها خلق مواطن شغل عديدة للتونسيين على غرار مؤسسة Congo futur والتي يملكها لبناني حيث أصبحت هذه المؤسسة الاقتصادية الهامة الموجودة بجمهورية الكنغو الديمقراطية تستقدم أعدادا كبيرة من الاطارات التونسية والكويتيين. إذ قفز التونسيون من 30 اوائل جانفي 2011 الى حوالي 100 تونسي أوائل سنة 2012 يتقاضون رواتب شهرية تتراوح بين 2500 و3500 دولار شهريا زيادة عن المسكن والمأكل وحوافز أخرى. كما قفز عدد الاطارات التونسية العاملة في ميدان استخراج النفط على سواحل جمهورية الكنغو من 18 الى 79 إطارا في ظرف سنة واحدة انضموا الى 220 تونسي آخرين يعملون في قطاعات المناجم والبنوك والدراسات شأنهم شأن حوالي 60 تونسي مقيمين في أنغولا يعملون في قطاع البترول. بيد أن المجال الذي يستحق حقيقة التنويه هو مجال الدراسات حيث خطت الخبرة التونسية خطوات هامة على الساحة الافريقية عبر مكتب الدراسات STUDI وغيرها من المكاتب التونسية العاملة في افريقيا والتي اصبحت مرجعا في ميدان الدراسات تجلب لبلادنا مبالغ هامة من العملة الصعبة. وفي هذا السياق نحن ندعو من هذا المنبر وزارة الشؤون الخارجية للانكباب على مسألة مهمة إذا ما تم حلها فإنها ستساهم في رفع عدد التونسيين العاملين في مجال الدراسات ويتمثل عمل الوزارة في القيام بمساع وحتى الضغط على الجانب الاوروبي لفتح مجال القيام بالدراسات لغير الأوروبيين كلما تعلق الامر بمنطقة A.C.P افريقيا، الكاراييب والباسيفيك وهي دول تجمعها اتفاقيات بالاتحاد الاوروبي تتضمن القيام بدراسات من أجل التنمية يرفض الاتحاد الاوروبي أن تقوم بها مكاتب غير أوروبية وهو أمر يتضارب مع ما ينادي به هذا الاتحاد من ضرورة مساعدة الدول المتوسطية كتونس على تجاوز أزمتها الاقتصادية ويغض الطرف على المكاتب الاوروبية التي تسند لتونس بعض الدراسات في إطار المناولة فقط أي مقابل فتات. في الختام أؤكد وأقول أن فرص العمل في افريقيا متوفرة للعارفين بالمسالك المؤدية إليها. فالتونسيون ليسوا أقل ذكاء وخبرة ممن سبقهم الى ذلك لأن المسألة لا تعدو أن تكون مجرد ادراك بالمسؤولية من قبل الحكومة واقدام وجرأة من قبل طالبي الشغل فوضع البطالة في بلادنا يحتم علينا استغلال الفضاء الافريقي الواعد على غرار دول أوروبية عريقة كالبرتغال واسبانيا واليونان وفرنسا. فعلى سبيل المثال بلغ عدد البرتغاليين الذي هاجروا الى أنغولا وهي مستعمرة قديمة غنية بالنفط 100 الف برتغالي حاليا فيما كان هذا العدد سنة 2004 21 ألف برتغالي فقط. كذلك الشان بالنسبة للفرنسيين الذين هاجروا الى افريقيا وقد تجاوز عدد الفرنسيين الذين هاجروا في غضون السنوات الثلاث الماضية 30 ألف فرنسي دفعت بهم الازمة الاقتصادية المستفحلة في أوروبا الى الهجرة والبحث عن العيش الكريم. لذا بالامكان تخفيف وطأة البطالة عبر البوابة الافريقية شريطة أن تتحمل كافة الاطراف مسؤولياتها وفي مقدمتها الحكومة.