- في الجزء الاول تحدث صاحب المقال عن المكانة التي كان يحظى بها المقاومون في السابق وفي الجزء الثاني يقول : عندما نأتي بعد الثّورة ، وبالإطّلاع على مشروع قانون تحصين الثّورة الذي قدّمته كتلة حركة النّهضة بالمجلس الوطني التأسيسي والذي يحتوي على 11 فصلا ، فإنّنا نجد به استثناء من الإقصاء ممنوح لممثّلي المقاومين / المناضلين في لجان التنسيق الحزبي للتّجمّع . إذن حتّى بعد الثّورة ، بقي الإحترام للمناضلين السابقين وأهليهم قائما وموصولا . ولهذا ، من الأدب أن يشكر الإنسان النّاس ، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله كما جاء في الحديث الشريف . وعليه ، ما كان لقادة حركة النهضة في الحكومة أن تغيب عنهم هذه المعطيات ويتباطؤوا في حلّ قضيّة المناضلين السياسيين المشمولين بالعفو التشريعي العام والذين في حقيقة الأمر لم يظلمهم نظام بن علي ورجاله فقط ، وإنّما ظلموا من مؤسسات الدولة بأكملها التي انخرطت دون تأخير في ركب الإستبداد وتفعيل آلة القمع والحصار الكامل لهؤلاء وكانت أجهزتها وسيلة تنفيذ لمخطّط الاستئصال لكلّ نفس تحرّري بالبلاد ونشر الثقافة الإستحمارية بين أبناء الشعب طوال ال 23 سنة . إذن هذا هو الأصل ، فالدّولة هي التي عليها واجب ردّ الإعتبار لهؤلاء . وليس التعويض غاية في ذاته ، فسنوات العمر الفانية والشباب الذي ضاع لا يستطيع أن يعوّضه أيّا كان وليس قابلا للتعويض أصلا لأن ليس له كما يقال في السّوق نظير ، فقد ذهب العمر وانقضى . ف " الكاس إذا تكسّر موحال تحاول تجبيره " كما جاء في إحدى الأغنيات . ولذلك " لا ذنب لمن قتلت عيناه ولم تقتل يده " كما عبّر عن ذلك الحصري القيرواني . فلا ذنب إذن إن كان الحمل الثقيل في مقاومة الظّلم والإستبداد كان على طائفة من المناضلين وأقصد بذلك مناضلي حركة النّهضة . أكان ذنبهم الوحيد أنّهم كانوا الأكثريّة في مقاومة الإستبداد وفي النّضال ليجازوا بالحرمان والتناسي ورفع الفيتو في وجوههم أمام تفعيل المرسوم ؟ إنّ هذا لأمر عجيب ! صدّقوني رأيت بأمّ عيني من مناضلي حركة النّهضة ممّن أعرفهم من هوى على الفضلات في سوق الخضر ليجمع منها ما يستطيع أن يعدّ به سلطة في شهر رمضان المعظّم ولم أشأ أن أثير انتباهه مخافة إحراجه وضرب كبريائه وعلمت بمن تزوّج من هؤلاء وقد شارف على الخمسين من العمر وليس في يده ما يستطيع أن يقيم به وليمة تيمّنا بقول الرسول صلى الله عليه وسلّم : " أولم و لو بشاة " . وما زال من هؤلاء من لا يستطيع أن يسافر من الآفاق إلى المدينة لحضور اجتماع عام لأن ليس لديه ثمن التنقّل . لقائل أن يقول الآن : الرعيل الأوّل والقدماء المناضلون يجب عليهم أن يصبروا ويصابروا ، ولكن أقول للصّبر حدود عند هؤلاء ، عندما أرى الجميع يتسابق في المطلبيّة ولا يفكّر أن يرحم الدولة ويمهلها بل لا تهمّه إلا حاله ، أتعجّب كيف لا يلتفت إلى هؤلاء ويتمّ تناسيهم : هؤلاء الشّباب / الكهول الذين ساءت حالتهم المادّية ونزلت إلى الحضيض ، وأرامل الشهداء واليتامى والثكالى لسان حالهم يقول : ما عاد ليّ عقل باش نفكّر ، إلّاك يا معبود نا نتذكّر . إلّاك يا معبود يعرف دايا ، و يحمل عليّ جميع ما متحمّل . بالله يا مقصود يا مولايا ، يا مفرّج الكربات يا متكمّل داوي جراح حبيبك المتأمّل ، في كنوز خلقك شارد و متذكّر . و لسان حالهم أيضا يقول : من كثر أوهامي أطّول أيّامي ،من كثر غرامي اتزيد آلامي،من ليعة قلبي وافّادي على فقدي عزّي في بلادي،من همّي و بلاي وغمّي، ومرار مليالي فمّي، من سعدي إلّي متكبّي ،ومن جرحي إلّي في قلبي ، فرفطّ وما قلت بدايا،وما بحت لحد بمشكايا ، وما طلبتش غيرك يا ربّي .. حينما أسمع أنّ أحدهم في بنزرت يخيط فمه ولا يحصل على شيء إلا على وعود ، وحينما يقصد هؤلاء الشباب مقرّات حزبهم ولا يجدون تكريما بل تبرّما أحيانا وعندما تنوي الحكومة تفعيل مرسوم العفو التشريعي العام بخصوص النّظر في التعويض لهم عن سنوات الجمر التي ما زالوا يعيشونها ، يصوّرون على أنّهم أصحاب غنيمة وتجّار نضالات . عندها أصدم و أقول : كفاني منك يا قلب كفاني فقد ضاق الزّمان بما أتاني وقفت على الرّفاق و لم تزدني بوقفتهم سوى طول الأماني وأهلي بالعتاب تلقّفوني ولكنّ الهوى فيهم رماني حقوقي