تجدنا اليوم نعود إلى موضوع الحكماء والحكمة ومن يملك الحكمة إلخ بعد أن تناولنا الموضوع في عدد الأمس. فقد حملت لنا الأخبار ليلة أوّل أمس - وقد صرنا ننام ونصحو على الأخبار السياسيّة المتسارعة والغزيرة والمواقف والآراء وردود الأفعال المتعارضة والمتناقضة في أغلب الأحيان- خبر بعث هيكل أو مؤسّسة جديدة تحمل اسم مجلس الحكماء يضمّ مجموعة من الشخصيات الوطنية ويرأسه حمّادي الجبالي رئيس الحكومة. مهمة المجلس وفق ما علمنا تتمثل في البحث عن حلول للخروج من الأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد منذ أشهر والتي تفاقمت بعد اغتيال الزعيم السياسي شكري بلعيد بتاريخ 6 فيفري الجاري. ظروف نشأة هذا المجلس الجديد معروفة وهي تتلخّص في عدم تمكن رئيس الحكومة من حشد الدعم الكامل لمبادرته الخاصة بتكوين حكومة كفاءات وطنية التي أعلن عنها على إثر اغتيال الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطييّن متخليا بذلك عن مشروع التحوير الوزاري الذي كان فاشلا بدوره لعدم توفر التوافق المطلوب ولعدم تحمس المعارضة لفكرة التحوير الوزاري وتوسيع التحالف السياسي الذي تقوده الترويكا الحاكمة وغيرها من التفاصيل من بينها شرط تحييد وزارات السيادة. كل ذلك صار من التاريخ اليوم وصار موضوع الساعة المبادرة الخاصة بحكومة الكفاءات الوطنية. والإلتجاء لهذا المجلس في حقيقة الأمر يعلن صراحة عن فشل المؤسسات السياسيّة المنبثقة عن انتخابات 23 أكتوبر2011. ولئن سارع بعض المتحدّثين عن المجلس الجديد بالتأكيد على أن العمليّة ليست انقلابا عن الشرعية فإنّها تعلن آليا عن فشل المؤسّسات الشرعية إلى حد الآن في الإضطلاع بدورها ومراهنة على عدم تمكّنها من الإضطلاع بدورها مستقبلا وتحديدا المراهنة على عدم القدرة على تحمل مسؤولياتها في ما تبقى من مرحلة الإنتقال الديمقراطي. وهو ما تطلّب على ما يبدو الإهتداء بحكمة الحكماء. سبق وأن قلنا في عدد أمس أنّنا نضع حكمائنا تيجانا على رؤوسنا حتى وإن كان احتمال الخطْأ موجود لكنّنا نخشى أن يكون مجلس الحكماء سببا في جعل الأزمة تطول أكثر. نخشى أن ينفذ صبر التونسيين فما يريده الشعب التونسي قرارا وإرادة سياسية واضحة. نخشى أن يساهم رئيس الحكومة بقراره وإن كان مقصده وغايته مصلحة تونس في تعويم القضية. فماذا ننتظر من مجلس للحكماء غير المداولات والآراء والنقاشات بما أنه مجلس استشاري لكن المواطن التونسي سئم من النقاشات ومن المداولات بالمجلس الوطني التأسيسي ومن المفاوضات بين الأحزاب السياسية والمنظمات والمنظمات التي تكاد لا تنتهي وتكاد تتحول إلى قدر التونسيين منذ الإنتخابات. نحن اليوم في تونس في حاجة إلى إرادة سياسية. في حاجة إلى قرار يحسم الأمور ويعيد بعض الأمل. مجلس الحكماء هذا لا يمكن إلا أن يجعلنا نشعر بأن الازمة ستطول أكثر. علينا أن ننتظر رأيه ثم عرض رأيه على الأحزاب وعلى المعنيين بالأمر ثم مشاورات ومشاورات ومداولات ومباحثات ومفاوضات إلخ.... في الأثناء يكاد يكون كل شيء معطّل في البلاد. المواطن وخاصة منذ جريمة الإغتيال الذي ذهب ضحيتها شكري بلعيد دخل في مرحلة متقدمة من الشك حول عودة الأمن إلى البلاد. دخل في مرحلة متقدمة من الشك حول استقرار الوضع في البلاد وحول فرضية إيجاد حلول سريعة لمشاكل التنمية وغلاء المعيشة والصعوبات التي ما فتئت تستفحل وتهدّد السلم الإجتماعية. المواطن التونسي يكاد يصرخ... حكماء أو غير حكماء المهم الإسراع في اتخاذ قرار حاسم يعود به القطار إلى السكة ونعود إلى حدائقنا لنعتني بها كما سبق وقال فولتير. الناس تكاد تصرخ نريد حلاّ.