تونس الصباح: كشفت إحصائيات حكومية، أن إنتاج البترول في تونس سجل تراجعا ملحوظا خلال العشريتين الماضيتين، حيث مرّ الانتاج من 120 ألف برميل يوميا بين عامي 1982 و1985، إلى 75 ألف برميل حاليا.. وأفادت الاحصائيات التي حصلت "الصباح" على نسخة منها، أن هذه الوضعية تسببت في تراجع على مستوى انتاج النفط قدّر بحوالي 37%، الامر الذي جعل العجز الهيكلي لميزان الطاقة التونسي، يزداد تأزما خلال السنوات السبع الماضية، وبالتحديد منذ العام 2000، حيث لم يتجاوز 600 ألف طن مكافئ نفط سنويا، فيما يقدر الطلب المحلي بنحو 3 ملايين و430 ألف طن سنويا.. ويقدّر حجم إنتاج النفط في تونس خلال العام الجاري بنحو 4.4 مليون طن، مقابل 4.5 مليون طن العام المنقضي... لكن معلومات استشرافية أعلنتها وزارة الصناعة في وقت سابق، لاحظت أن حجم الانتاج النفطي المتوفر في تونس، لا يغطّي الطلب المحلي الذي يفوق يوميا حوالي 94 ألف برميل.. نمو ملحوظ للاستهلاك.. ويأتي أغلب الانتاج المحلي (حوالي 70 %) بالاساس من الحقول الرئيسية في تونس التي لا يتعدّى عددها الستّة وهي، البرمة وميسكار وعليسة وعشتار وآدم بالاضافة إلى واد زار.. وتم تسجيل هذه التطورات في مستوى الانتاج، في وقت عرف إنتاج الحقول القديمة خصوصاً حقل البُرمة، الذي افتُتح في الستينات من القرن الماضي، تراجعا بنسبة 10 في المائة، وحقل "عشتار" بنسبة 16 في المائة.. فيما تستورد "الشركة التونسية لصناعات التكرير"، التي تملك مصفاة النفط الوحيدة في البلد، حوالي 1.7 مليون طن من النفط الخام من الخارج، بينها 1.1 مليون طن من ليبيا.. ويخشى المسؤولون على القطاع، من إمكانية استمرار هذا التباين بين الموارد النفطية وحجم الاستهلاك المتزايد، خصوصا في ضوء وجود أرقام تؤكد أن الاستهلاك ينمو سنويا بما يناهز الاربع بالمائة، وهو ما سوف يرفع من نسبة عجز ميزان الطاقة، الذي قد يصل إلى حوالي 3.5 مليون طن في أفق العام 2010.. مساع حثيثة وكرست تونس الواقعة بين ليبيا والجزائر، ( اللذين يعدّان من كبار منتجي النفط في السوق الدولية)، جهودها لزيادة إنتاجها من "الذهب الاسود"، فقامت بحفر 39 بئراً نفطية خلال العام المنقضي، في مقابل 27 بئراً فقط في العام 2006. ومنحت في هذا السياق، تراخيص بحث وتنقيب عن النفط إلى مجموعات أمريكية وأوروبية وكندية، بينها شركة "رويال دويتش شل" الهولندية، ومؤسسة "إيني" الايطالية و"إكسون موبيل" الامريكية، كما فتحت الحكومة قناة تعاون مع فيتنام لاستقدام شركات للتنقيب عن النفط في البلاد... وبلغ عدد الشركات الاجنبية والمحلية التي تنشط في مجال استكشاف النفط وإنتاجه في تونس، أكثر من 50 شركة قُدّر حجم استثماراتها بأكثر من 200 مليون دولار.. وحصلت هذه الشركات وفق معلومات رسمية على ما يزيد عن 40 ترخيصا للتنقيب عن النفط، تغطي نحو 150 ألف كيلومتر مربع أي ما يزيد عن 60 في المائة من الارض التونسية.. رخص تنقيب كثيرة.. وفي السياق ذاته، باشرت مجموعتا "باسكال بتروليوم كومباني" الامريكية، و"جيو ستات تكنولوجي" النمساوية، أعمال التنقيب في ولاية تطاوين المتاخمة للحدود مع ليبيا، على مساحة 2096 كيلومتراً مربعاً، بتكلفة استثمارية قُدرت بنحو 10 ملايين دولار... فيما بدأت شركتا "أطلس بتروليوم إيكسبلوريشن وورلد وايد" البريطانية و"يوروغاز انترناشيونال آي أند سي" الكندية من جهتهما، أعمال التنقيب عن النفط والغاز في عرض سواحل مدينة صفاقس (جنوب البلاد)، بموجب ترخيصين حصلتا عليهما من وزارة الصناعة والطاقة، وتشمل أكثر من 4 آلاف كيلومتر مربع، باستثمارات تصل إلى 3.5 ملايين دولار... وكانت الحكومة التونسية منحت شركتين، فرنسية وأسترالية بداية العام الجاري، رخصة جديدة للتنقيب عن النفط والغاز في البلاد.. وذكرت معلومات موثوقة، إن الشركتين اللتين فازتا بهاتين الرخصتين، هما مؤسسة "بريمول" التابعة للشركة الفرنسية "سوبروديس"، والمؤسسة الاسترالية "أويل زيرتش تونس المحدودة".. وتحمل هذه الرخصة التي رصدت لها استثمارات في حدود 5 ملايين دولار، اسم "الكاف"، وهي تغطي مساحة 2836 كيلومترا مربعا، وتمتد على ولايتي الكاف (171 كيلومترا غربي تونس العاصمة)، وجندوبة (254 كيلومترا شمال غرب العاصمة تونس).. وستقوم الشركتان الفرنسية والاسترالية، بإعداد الدراسات الميدانية والتنقيب عن المحروقات لمدة أربع سنوات في المنطقة المذكورة، إلى جانب حفر بئر استكشافية.. وضع دقيق.. لكن وعلى الرغم من هذه الجهود الضخمة التي تبذل من قبل الدوائر المسؤولة، فإن الوضع النفطي في البلاد، يبدو صعبا ولافتا للانتباه.. فبموجب الضغوط التي ما انفك يمارسها صندوق النقد الدولي على الحكومة، باتجاه التحكم في أسعار المحروقات، عبر التوقف عن دعمها والسيطرة على الزيادات المتلاحقة في أسعار مشتقات النفط والمواد الاولية الاخرى، تم اللجوء إلى زيادات متتالية في أسعار المحروقات بغاية التخفيف من وطأة الارتفاع المشطّ في أسعار البترول في السوق العالمية، وهو ما تسبب في طرح تساؤلات كثيرة حول مآل هذا الوضع، وما إذا كان سيستمر بنفس وتيرة الزيادات إذا ما تواصلت الاسعار في الارتفاع على مستوى السوق العالمية؟ ويسود القلق الاوساط الاجتماعية التي يستخدم معظمها سياراتهم في تنقلاتهم اليومية، في ضوء الكلفة العالية للنقل نتيجة الاسعار الراهنة للمحروقات.. ويرى مراقبون، أن تونس مقبلة على مرحلة دقيقة في علاقة بإنتاج النفط من جهة، وتداعيات ارتفاع أسعار البترول على الصعيد المحلي، وسط توقعات بأن تزيد الحكومة في أسعار المحروقات، ولو بشكل متدرج خلال الفترة القادمة.. وكان السيد رضا التويتي، وزير التجارة التونسي، صرح أمام أعضاء البرلمان قبل بضعة أيام، بأنّ موازنة الحكومة، قد تتحمّل السنة الجارية نفقات ربما وصلت إلى نحو 1000 مليون دينار على المواد الاساسية، في مقدمتها النفط، وهو ما يمثل ثلاثة أضعاف الاعتمادات المخصصة سنويا لصندوق الدعم.. وأعلن الوزير أنّ الدولة ستلجأ دوريا إلى الترفيع في الاسعار، لكنّه أشار إلى أنّ ذلك "سيراعي المقدرة الشرائية للمواطن".. وتأتي هذه الزيادة في أسعار المحروقات، مع اقتراب فصل الصيف الذي تكثر فيه تنقلات التونسي إلى سواحل الوسط والجنوبالتونسي، بحثا عن متعة البحر وأماكن الاصطياف الكثيرة، التي تعجّ بها البلاد..