انتهت قمة الاتحاد الاوروبي المنعقدة هذا الاسبوع في العاصمة الاوروبية بروكسيل دون ان ينتهي الحديث عن مشروع الاتحاد الاورومتوسطي الذي استغل حيزا واسعا من اشغال القمة، ولعل مثل هذا الحديث لن يتوقف قبل لقاء جويلية المقبل الذي سيجمع قادة دول الاتحاد الاوروبي بنظرائهم في دول جنوب المتوسط لتحديد ابعاد ومعاني هذه الشراكة وفق الصفة الجديدة التي اطلقت عليها نزولا عند رغبة المستشارة الالمانية انجيلا ميركيل.. والحقيقة انه بين اعلان مسار برشلونة او ما اصطلح عليه باوروميد حينا والشراكة المتوسطية حينا اخر قبل ان يظهر الرئيس الفرنسي ساركوزي بوصف جديد له قبل عشرة اشهر والذي يبدو انه تحول بدوره الى الاتحاد من اجل المتوسط ما يؤكد ان هذه الشراكة لا تزال ابعد من ان ترسو على مرفأ وانها لا تزال تبحث لها عن هوية قادرة على الجمع بين ما يمكن اعتباره مصالح مشتركة بين دول الاتحاد الاوروبي في تحالفها الجديد بعد توسع الاتحاد شرقا وبين دول جنوب المتوسط اضافة الى اسرائيل وتركيا. لقد مرت الشراكة الاورومتوسطية منذ اعلانها في 1995 بسلسلة من الاهتزازات وقد ظل مسؤولو دول الاتحاد الاوروبي يروجون من جانبهم في مختلف المناسبات تفاؤلهم بشأن استمرار وبقاء مشروع برشلونة مشيرين في احيان كثيرة الى كثرة تشكيات دول الجنوب وعدم تحركها لدفع عجلة الشراكة وفي المقابل فقد ظل مسؤولو تلك الدول يلوحون بازدواجية معايير الاتحاد الاوروبي في مفاضلة دول اوروبا الشرقية المنتمية حديثا اليه على حسابها بما جعل دول جنوب المتوسط تحظى بالفتات مقارنة مع تلك الدول وهي مواقف من شانها ان تجد لها ما يكفي من التبريرات بين هذا الجانب او ذاك. وعلى مدى اثني عشر عاما ظل المشروع يراوح بين النجاح والفشل حينا وبين الخيبة والامل حينا اخر رغم ما امكن تحقيقه من مشاريع اقتصادية واسثمارية وتجارية بين دول المنطقة وقد جاءت قمة برشلونة في الذكرى العاشرة قبل سنتين لتقر بضرورة اعادة النظر في اهداف وابعاد الشراكة الامنية والسياسية والاقتصادية والثقاقية والاجتماعية ... صحيح ان هناك اليوم اجماعا حول المسائل الامنية المرتبطة بموقع المنطقة المتوسطية واهميتها الاستراتيجية في تامين الطاقة والمبادلات التجارية الدولية وهو ما يفسربالتاكيد اسباب منح الاولوية للمسائل الامنية المرتبطة بمكافحة الجريمة والارهاب وانتشار السلاح والمخدرات وتجارة البشر فيما تبقى مكافحة الهجرة غير المشروعة المطلب الاساسي للدول الاوروبية التي باتت ترى فيها تهديدا لمصالح شعوبها الانية والمستقبلية في خضم الحملات المستمرة ضد المهاجرين من اصول افريقية وشرق اوسطية والخلط المتفاقم بين الاسلام وبين العنف والارهاب ... ولاشك ان هناك فرقا بين الظروف الدولية التي نشأ فيها مشروع برشلونة بعد مؤتمر اوسلو وبين الظروف التي ترتبط اليوم باعلان الشراكة من اجل الاتحاد فقد شكل المشروع في بدايته املا جديد او منعرجا لدول المنطقة لاحياء مسيرة السلام الا ان الواقع ان تلك الامال الضئيلة التي ارتبطت بالمشروع بدات تزول بعد ان اصبح واضحا ان المطلوب هو ادماج اسرائيل ومنحها وضعا شبه طبيعي بين الدول المعنية بالاضافة الى قطع الامال امام تركيا في الانضمام الى الاتحاد الاوروبي... ولعل في اصرار المستشارة الالمانية انجيلا ميركل على موقفها الرافض لخطة الرئيس ساركوزي في شكلها الاصلي التي رات فيها سببا لتقسيم الاتحاد واستنزاف قدراته المالية لخدمة مصالح عدد محدود من الدول ما يؤكد حاجة دول جنوب حوض المتوسط لدخول هذه الشراكة كطرف واحد تجمعه مصالح واحدة على غرار ما يسعى له الاتحاد الاوروبي في تعامله معها والارجح ايضا ان هذه الدول ستكون مدعوة للتفكير في موقف واضح عندما يحين الحديث عن الرئاسة الدورية للاتحاد والذي سيضع الدول العربية المعنية امام احتمال اكيد ان ياتي دور اسرائيل لتتولى رئاسة المجلس...