الآن، وقد تخطى السيد علي العريض إشكالية تكوين حكومة جديدة بجمع فريق من الوزراء معظمهم كان من ضمن الحكومة القديمة وبعضهم الآخر جاء من بعض الحساسيات السياسية أو هم أكاديميون"مستقلون"، فقد برع ومن ورائه "الترويكا" في تخطي الأزمة التي تردوا فيها منذ أشهر بتحييد قوى المعارضة وإبعادها عن دفة الحكم وعدم تشريكها في الحكومة الجديدة وذلك دون الاستجابة لمطالبها الحقيقية التي نادت بها لتحقيق وفاق وطني يعتمد خارطة طريق لما تبقى من فترة تفصلنا عن الانتخابات التشريعية القادمة. ففي أول تصريح له أعلن السيد علي العريض عن أسماء فريقه الحكومي فقط دون أن يشير ولو بقدر أو تلميح لبرنامج الحكومة الجديد الاقتصادي والاجتماعي والأمني الذي يترقبه الجميع، كما أنه لم يعط ولو تلميحات عن مواعيد الانتهاء من كتابة الدستور وتواريخ الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة وغيرها من الاستحقاقات التي مثلت مطالب جوهرية مثل استقلالية القضاء والإعلام وغيرها من المطالب، وخاصة منها مطلب حل لجان حماية الثورة الذي فتح باب الإرهاب في تونس على مصراعيه. وهذا الخطاب المقتضب الذي قدمه العريض جعل كل المراقبين يؤكدون على أن تصريحه قد جاء خاليا من الأساسيات التي كانت منتظرة من التحوير الوزاري، كما أنه زاد من غموض الأمور بخصوص جملة المطالب الرئيسية التي نادت بها جميع القوى لتخطي الوضع الراهن الذي تمر به البلاد. والذي يلفت الانتباه أكثر من اللازم أن خطاب العريض لم يشر ولو بشكل عابر لخطة الحكومة في ما تنوي القيام به بخصوص غلاء الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية لمعظم الفئات الاجتماعية والتضخم المالي الحاصل في البلاد، ومجالات التهريب التي قضت على نشاط مسالك التوزيع الرسمية، وهو جانب كان يترقبه الجميع ويعتبرونه من الأساسيات التي قام عليها التحوير لإيجاد خطة تجعل حدا لكل مظاهر التجاوزات الاقتصادية والاجتماعية. ولعل ما يحصل اليوم من شبه إجماع على أن التحوير الوزاري لم يكن سوى تغيير لكراسي بعض الوزراء وتثبيت لبعضهم الآخر في مناورة مفضوحة لإرضاء أطرافالترويكا" ومزيد تثبيتهم في السلطة، قد بدا جليا أن فراغه من أي مؤشر اقتصادي وتنموي واجتماعي سيهتم بالجهات الداخلية وسكانها من خلال برامج استعجالية، إنما يؤكد أن الحكومة تفتقد لرؤية في هذا الجانب، ولا يمكنها إلا مواصلة سياستها الفاشلة التي دأبت عليها منذ أشهر، وهي أمور ستزيد من تعقيد الأمور وتقود إلى عدم صمود هذه الحكومة المفبركة على قياس الأحزاب الحاكمة.