قتيلا خلال عامين فقط.. وضعف الحكم المركزي في قفص الاتهام - إعداد: وليد عبدلاّوي - تفاقمت نسبة الإجرام في تونس ما بعد الثورة بشكل فاق توقعات كل التونسيين وأثار العديد من التساؤلات حول أسباب تكاثر وتطور الجريمة، بل وصل الأمر إلى إرهاق كاهل الشعب والأمن من انتشار الفوضى والاحتقان الاجتماعي.. فقد شهد الأسبوع الجاري وحده عدة جرائم قتل بعضها فظيعة جدا، إذ قتل حارسان ليليان بالنفيضة ومساكن وذبح كهل في رادس وخرّب جسد فتاة بثلاثين طعنة في المنزه الثامن، ولكن ذلك لا يعني انتشار نسبة الجريمة أو ارتفاعها فقد شهدت تونس انخفاضا في نسب جرائم القتل عام 2012 مقارنة بعام 2011 عام الثورة والانفلات حسب مصادر من وزارة الداخلية التي أثبتت أنه خلال سنة 2012 وقعت 327 جريمة قتل و369 محاولة قتل و43 قضية قتل على وجه الخطإ، مقابل 1188 جريمة قتل سنة 2011 لتسجل تونس بالتالي انخفاضا على مستوى مثل هذه الجرائم ب37.6 بالمائة مقارنة بسنة2012 ولكن في مثل الحالات لا تجوز المقارنة باعتبار أن2011 كان عام الثورة والانفلاتات الأمنية والجرائم المختلفة كتلك التي شهدتها الاحتجاجات الشعبية في الشوارع والاحتجاجات والتمردات داخل السجون. ورغم أهمية نسبة الانخفاض فإن الأرقام الأخيرة لا تزال تبعث على القلق والحيرة إزاء ظاهرة الإجرام وتجعلنا نتساءل حول الدوافع الشعورية واللاشعورية وفهم شخصية المجرم ودراسة العوامل الموضوعية التي من شأنها أن تهيء للجريمة، فيما أطلق عديد الخبراء ناقوس الخطر وطالبوا بضرورة التصدي للجريمة. "تقاتل اجتماعي" يرى الباحث الاجتماعي طارق بلحاج أن الإجرام في تونس ما بعد الثورة وتفاقمه يرجع بالأساس إلى جانب سياسي وجانب أمني وجانب اجتماعي نفسي. أما الجانب الأول فيتمثل في"بروز أطراف سياسية أرادت الاستثمار في الفوضى أولا لإجهاض الثورة وثانيا لخلق مناخ اجتماعي متوتر يجعل التونسيين يندمون على ثورتهم ولتغيير منطق الثورات بمنطق الجريمة والقول بأن المحتجين في جانب كبير منهم ليسوا إلا مجرمين وأصحاب سوابق.. بعد الانتخابات أعيد انتاج نفس هذه المناورة بحيث أضيفت إلى الانفلاتات العادية مظاهر أخرى من العنف المنظم أخذ أشكالا عدة منها العنف السياسي والسرقة والنهب والاعتداء على الخصوم وهذه نتيجة حتمية لخروج الآلاف من أصحاب السوابق والقتلة والمجرمين ومغتصبي الأطفال في قائمات العفو الأخيرة لأن هناك طرفا سياسيا معينا من مصلحته عدم استتباب السلم الاجتماعي ويصنف كل هذه الانفلاتات في نظرية يسميها "التدافع الاجتماعي" أو"التقاتل الاجتماعي". تعافي الأمن ليعتل مجددا وعلى الصعيد الأمني أكد طارق بلحاج أنه "بعد الثورة مباشرة وقع استهداف رجال الأمن في سلوكهم وسمعتهم وآدائهم وهو ما أدى إلى فقدان رجل الأمن الثقة في نفسه مما يؤثر على أدائه إلى جانب فقدان جهاز الأمن لصورته وهيبته مما جعل بعض المجرمين وأصحاب السوابق يتطاولون عليه ولا يعيرونه اهتماما خصوصا أنه بالتوازي مع ذلك تعددت حالات الإفراج عن المعتدين من طرف وزارة العدل..ولم يسترجع الأمن عافيته إلا بعد الانتخابات لكن بدخول عناصر متحزبة سواء على رأس الوزارة أو في الخطط الوظيفية في المنظومة الأمنية وتعامل الأمن بمكيالين أعاد إضعاف المنظومة الأمنية وضرب الثقة من جديد". أما من حيث الجانب الاجتماعي النفسي والذي يعد حجر الزاوية لمعرفة دواعي الإقبال على الإجرام وبث الفوضى في البلاد فيوضح محدثنا أن "حالات الانتقال الديمقراطي عموما تتسم بضعف أجهزة الدولة وهيبتها وفاعليتها ومثلما يخرج المجتمع أجمل ما فيه من سلوك فإن الثورة تخرج أسوأ ما في المجتمع من مظاهر التسيب والانفلات وارتفاع معدل الجريمة وعدم احترام القانون إذا أضفنا إلى ذلك مناخا إعلاميا وسياسيا متشنجا وحصانة بعض الأطراف وإفلاتهم من العقاب ومصلحة البعض في الاستثمار في الفوضى فإن العنف والجريمة هما عنوان هذه المرحلة". هذا ويؤكد طارق بلحاج أن مثل هذه المظاهر "تمس بالأمن الاجتماعي، فعلى من يستثمر في الفوضى أو يغض الطرف عنها أو يشرع لها أن يعلم أن السلم الاجتماعي إذا تهدد فلن يكون مثيري هذه الفوضى أنفسهم في منأى عن تداعياتها". شخصيات مرضية من جهته بيّن عماد الرقيق (أخصائي في علم النفس) أنّ ظاهرة الإجرام "ترجع لأسباب متنوعة على غرار شخصية المجرم والمتعلقة أساسا بالجانب التكويني أو النفسي أو العقلي، هذا بالإضافة إلى البيئة التي تحيط بالمجرم ومدى انعكاسها على نفسيته". ويتابع الرقيق في نفس السياق "ما نلاحظه اليوم في تونس هو فقدان الخوف والرهبة لدى الأطفال لأن سلطة الأب أصبحت محدودة وبالتالي فقدوا "الأنا الأعلى" المتمثلة في شخصية المرء في صورتها الأكثر تحفظا وسموا والمتحكمة في أفعاله من قيم ومبادئ مجتمعية بعيدا عن الأفعال الغرائزية". من جهة أخرى يرى محدثنا أنّ "الفقر والفاقة والاحتياج والمراحل الصعبة التي يمر بها الشباب من شأنها أن تولد نوعا من الانتقام على الآخر فيصبح الإقدام على الجريمة تعبيرا عن الصراع بين الفرد والظروف المحيطة به والدليل على ذلك هو أن من يقدم على قتل شخص أو عدة أشخاص وهي من أبشع أنواع الجرائم- عادة ما يكون من بين المعوزين والمحرومين من أبسط مقومات العيش الكريم أو ممن لم يحظ بالرعاية والإحاطة الكافية في فترة طفولته والتي تمثل مرحلة من مراحل الاستقرار النفسي.. هذا لا يعني أنني أحاول أن ألتمس أعذارا لمرتكبي الجرائم وأن أبحث عن تعلات تنصفهم بل بالعكس لأن كل امرئ يبقى المسؤول الأول عن أفعاله بقطع النظر عن ظروفه الاجتماعية". وعن مسألة التفاوت بين الجرائم بيّن عماد الرقيق أنّها "تتعلق بتفاوت الحالات النفسية وتعقدها.فعادة ما تكون الشخصيات المرضية "الخطيرة" بمثابة المرآة العاكسة لمسار في العيش يكتنفه الإهمال وسوء المعاملة وسوء الإحاطة الاجتماعية ليصل الأمر في أقصى حالاته إلى"السادية" أي التمتع برؤية الدم ومشهد القتل. وهو ما لمسناه مؤخرا في شخص سفاح سوسة الذي حكم عليه بالإعدام شنقا نتيجة ارتكابه 14 جريمة قتل ومفاحشة بعض الضحايا لا لشيء إنما للذة يجدها عند القتل نتيجة ترسبات نفسية، عكست الإهمال الذي لازمه منذ طفولته ليصبح الإجرام مسارا في العيش. إذ ليس بالغريب أن يقف أمام قاضي المحكمة مؤخرا دون أن تظهر عليه علامات الخوف والارتباك نظرا لأن شخصيته أصبحت شخصية مرضية ولا مفر من تداعياتها نتيجة أسباب ذكرناها سابقا".
خبير أمني وعسكري يؤكد :الحكم المركزي الضعيف وراء انتشار الجريمة الخبير الأمني والعسكري فيصل الشريف يرجع تفاقم ظاهرة الإجرام بشتى أنواعها إلى"غياب إطار الاحتكام إلى وسائل الردع والصرامة عند الضرورة وكأن الحكومة الحالية بصدد تجنب اتهامها بالرجوع إلى الوسائل والطرق التي كان يعتمدها النظام السابق.. الأمر الذي تسبب في ضعف الحكم المركزي وساهم بشكل كبير في غياب المسؤولية التي نحن بأمس الحاجة إليها في الوقت الراهن". وعن أسباب انتشار جرائم القتل ومدى خطورتها أضاف فيصل الشريف "لا أحد يستطيع اليوم أن ينكر مدى خطورة المجرمين الذين هربوا من السجون أيام الثورة ولا ندرك إلى يوم الناس هذا الأسباب التي حالت دون فتح هذا الملف من جديد خاصة وأنهم يمثلون خطرا محدقا يهدد كل التونسيين.. هذا فضلا-بالطبع- عن حالات عفو التشريع العام والتي أثارت العديد من التساؤلات إزاء موقف برأ أشخاصا كانت عقيدتهم الإجرام بتعلة أنّ النظام السابق قد أساء معاملتهم". أما من حيث الأوضاع الإقليمية فنبه الخبير الأمني والعسكري إلى ظاهرة "تسطيح الإجرام"( banalisation de crimes) وهي مسألة في غاية الخطورة خاصة إذا ما تعلق الأمر بدخول الأسلحة إلى تونس عبر الحدود التونسية-الليبية وإمكانية ظهور قاعدة إرهابية في تونس لا قدر الله-. كما أن التونسيين الذين اتجهوا إلى سوريا وأدركوا هناك معنى الحرب من شأنه أن يثير سؤالا في غاية الأهمية ألا وهو ما مصير هؤلاء حين يرجعون إلى تونس؟؟".. أما عن الحلول التي يجب انتهاجها لتفادي كل هذه المخاطر أكد فيصل الشريف على "ضرورة تقوية العمل الاستخباراتي والضرب على كل من تورط في عمليات تهريب الأسلحة بقوة والوعي بأهمية تأهيل التونسيين العائدين من سوريا. أما على الصعيد المحلي فيجب أن يضاعف العمل الأمني في تونس لأنه لا يقتصر على عمليات التمشيط فحسب.. فضلا عن ضرورة تفادي "غسيل عقول" أطفالنا بالمساجد وتوفير مراكز ترفيه بأكثر عدد ممكن لأننا نعيش اليوم قحطا ثقافيا ونحن بأمس الحاجة إلى تنشيط ديناميكية كاملة تصب في مصلحة بلادنا".
القتل "أنواع" والعقوبات أيضا تضمنت المجلة الجزائية عدة فصول حول قضايا القتل وعقوباتها من ذلك الفصل201 الذي أشار إلى أنه"يعاقب بالقتل الإنسان الذي يرتكب عمدا مع سابقية القصد قتل نفس بأية وسيلة كانت". وسابقية القصد عرفها الفصل 202 بانها"هي النية الواقعة قبل مباشرة الاعتداء على ذات الغير". أما الفصل 203 فجاء فيه أن"قتل القريب يعاقب مرتكبه بالقتل، والمقصود بقتل القريب هو قتل الوالد أو الوالدة أو غيرهما ممن هو فوقهما من الوالدين فيما تضمن الفصل204 (نقح بالقانون عدد23 لسنة 1989 المؤرخ في27فيفري 1989)ما يلي:"يعاقب قاتل النفس عمدا بالقتل إذا كان وقوع قتل النفس إثر ارتكابه جريمة أخرى أو كان مصاحبا لها أو كانت إثره وكانت تلك الجريمة موجهة للعقاب بالسجن أو كان القصد من قتل النفس الاستعداد لإيقاع تلك الجريمة أو تسهيل إيقاعها أو للتوصل للفرار أو لعدم عقاب فاعليها أو مشاركيهم"، فيما جاء بالفصل205(نقح بالقانون عدد23 لسنة 1989 المؤرخ في 27 فيفري 1989) ما يلي:"يعاقب مرتكب قتل النفس عمدا بالسجن بقية العمر في غير الصور المقررة بالفصول المتقدمة". أما الفصل 206 فجاء فيه:"يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام الإنسان الذي يعين قصدا غيره على قتل نفسه بنفسه، فيما أشار الفصل208(نقح بالقانون عدد23 لسنة 1989 المؤرخ في 27فيفري1989) إلى:"يعاقب بالسجن مدة عشرين عاما مرتكب الضرب أو الجرح الواقع عمدا بدون قصد القتل والذي نتج عنه الموت.ويرفع العقاب إلى السجن بقية العمر في صورة سبق النية بالضرب والجرح". وأشار الفصل 209 إلى أن"الأشخاص الذين شاركوا في معركة وقع في أثنائها عنف أنجز عنه الموت بالصور المقررة بالفصل قبله يعاقبون لمجرد المشاركة بالسجن مدة عامين بدون أن يمنع ذلك من العقوبات المستوجبة لمرتكب العنف"، فيما أشار الفصل 210(نقح بالقانون عدد23لسنة 1989 المؤرخ في 27فيفري 1989) إلى"يعاقب بالسجن بقية العمر الوالد الذي يتعمد قتل ولده"، أما الفصل211(نقح بالقانون عدد23 لسنة 1989 المؤرخ في 27فيفري1989) فتضمن ما يلي:"تعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام الأم القاتلة لمولودها بمجرد ولادته أو إثر ولادته".