وسط إجراءات أمنية مشددة كان الآلاف من المتظاهرين من مختلف الأطياف السياسية وتحديدا القوى السياسية الفاعلة في البلاد في الموعد أمس في شارع الحبيب بورقيبة لإحياء ذكرى عيد الشهداء. فكانت الشعارات الحزبية والألوان السياسية طاغية على مظاهر الاحتفال. وقد مرت جميع التظاهرات والمسيرات دون تسجيل احداث عنف خطيرة، باستثناء بعض المناوشات الخفيفة بين انصار النهضة وانصار الاتحاد من أجل تونس التي سرعان ما طوقها رجال الأمن. نفس الشارع الذي كان السنة الماضية مسرحا لأحداث عنف وقمع للمتظاهرين لم تفلح التحقيقات رغم مرور سنة كاملة في الكشف عن ملابساتها.. 9 افريل 2013 ميزته الأساسية هذه السنة في أن "الترويكا" حسمت موقفها وقررت إحياءه. فخلافا لعيد الاستقلال الماضي، هاهي الأعلام الوطنية تحلق عاليا وترفع في كل مكان. كما ان ميزته الاساسية ايضا في انه رغم الذكرى المجيدة التي استوجبت التظاهر فان الدعاية السياسية والحزبية كانت طاغية على المشهد، وكان الكل "يغني علي ليلاه"... مظاهر الاحتفال تكتسي طابعا آخر، فبمجرد ولوجك المدخل الرئيسي لشارع الحبيب بورقيبة الذي كان تحديدا على الساعة التاسعة والنصف من صباح أمس في اوج استعداده لاحتضان لافتات وشعارات مختلف الأطياف السياسية التي لم تكن أنصارها أو مختلف قياداتها حاضرة للانطلاق. عائلات شهداء وجرحى الثورة ولكن قبل الجميع كانوا هنالك قابعين أمام مقر ولاية تونس حاملين صور فلذات أكبادهم ممسكين بلافتات كتب على البعض منها:"نحن لا نثق في القضاء العسكري"، هم عائلات شهداء وجرحى الثورة... فهذه الذكرى مثلت فرصة لهم للتظاهر والتنديد بتماطل الحكومة في تحقيق مطالبهم. وفي تصريح ل"الصباح" ذكر لطفي بن محمود الذي استشهد شقيقه في ضاحية الكرم الغربي بان ابرز مطالبهم الأساسية تتمثل في ضبط القائمة الرسمية للشهداء التي لم تصدر إلى الآن رغم مرور أكثر من سنتين على قيام الثورة. وأكدت والدة الشهيد محمد الناصر الطالبي ل "الصباح" أنها تطالب بالقصاص لابنها منددة في السياق ذاته بالمحكمة العسكرية التي تتبع دوما سياسة التأجيل. أما والد الشهيد عادل بن مانع فهو يستنكر الحكم القضائي الذي طال قاتل ابنه حيث حكم عليه ب 10 سنوات خاصة أن متعاطيي "الزطلة" يحكم عليهم ب 20 سنة سجنا على حد تعبيره. والتمس في هذا الصدد من الهياكل المعنية مزيدا من العدل. من جهة أخرى أوضح شرف الدين القليل محامي عائلات وشهداء وجرحى الثورة لإقليم تونس الكبرى في تصريح ل "الصباح" أن الوقفة الاحتجاجية لعائلات الشهداء كانت بهدف التأكيد والتذكير على مجموعة من المطالب هي على بساطتها لم تنفذ بعد على غرار إحداث مؤسسة الشهيد ومتابعة الملفات الطبية والاجتماعية لشهداء وجرحى الثورة فضلا عن ملف التشغيل لذوي الشهداء الذي تمسك به إلى اليوم السلطة. وأشار القليل بأنه على مستوى وزارة الداخلية فانه لا إشكال لديه مع الأشخاص وإنما تتعلق المسالة بوزارة الداخلية التي إلى حد اليوم تتبنى بامتياز سياسة الإفلات من العقاب لا سيما في ظل وجود كميات هامة من الملفات توثق ما حدث مند 17 ديسمبر 2010 ولم يقع مدها للقضاء العسكري رغم وجود ما يسمى بحق النفاذ إلى المعلومة. مسيرات ومهرجانات خطابية وبعيدا عن السكون والهدوء اللذين طبعا الوقفة الاحتجاجية لعائلات شهداء الثورة وتحديدا على الساعة العاشرة والنصف من صباح امس كان شارع الحبيب بورقيبة في أوج صخبه: فالاتحاد من اجل تونس (الذي يجمع حركة نداء تونس والمسار والجمهوري) انطلقت مسيرته الحاشدة التي رفعت خلالها رايات الاحزاب 3 تقريبا من أمام تمثال ابن خلدون في اتجاه ساحة باب سويقة بحضور ابرز قياداته على غرار الطيب البكوش وإياد الدهماني ومية الجريبي وسمير الطيب إلى جانب بعض وجوه المجتمع المدني كبشرى بلحاج حميدة. وكانت الحراسة الأمنية الخاصة جد مشددة إلى درجة انه تم منع الإعلاميين من الاقتراب من القيادات السالفة الذكر. أما اللافتات التي رفعت فكانت كالآتي :"وقتاش تظهر حقيقة اغتيال شكري بلعيد" "وقتاش تطفى نار الأسعار" "وقتاش البطال يلقى خدمة" كما تم ترديد الشعارات التالية :"الشعب يريد شكون قتل بلعيد" و"واجب .. ضد الرجعية واجب جبهة مدنية واجب ديمقراطية" كما تخلل هذه الشعارات ترديد للنشيد الوطني التونسي. وأشار ضمير المناعي القيادي بنداء تونس في تصريح ل "الصباح" أن التاسع من افريل لديه بعده التاريخي لكن لديه أيضا بعد يحيل إلى الأحداث التي جدت السنة الفارطة.وأضاف انه بعد أن مر عيد الاستقلال باهتا فان المراد أن لا يكون عيد الشهداء مثله ولا أظنه كذلك على الأقل على مستوى حضور مختلف الحساسيات السياسية حتى يتسنى إصلاح التقصير الذي حدث يوم 20 مارس الماضي. ولعل المثير للانتباه في مسيرة اتحاد تونس هو مشاركة شخص يرتدي زيا خليجيا خاله البعض احد السياح الخلييجين ليتضح لاحقا انه تونسي بمجرد أن بدأ يردد "تسقط قطر تحيا تونس" وهي رسالة أراد ان يتوجه بها للحكومة. حركة النهضة تحتفل امام المسرح البلدي في المقابل استقر أنصار حركة النهضة الذين لم يكن عددهم كبيرا أمام المسرح البلدي رافعين لافتات كتب عليها :"لا الاه إلا الله محمد رسول الله" مرددين "أوفياء أوفياء لدماء الشهداء" و"يا شهيد ارتاح ارتاح سنواصل الكفاح" و"تحصين الثورة واجب" و"طرد النداء واجب" و"طرد التجمع واجب" و"دم الشهيد غال وقدر الشهيد غال" هذا دون أن ننسى الرايات السوداء التي تحمل الشهادتين. ولعل الملفت للانتباه في مسيرة حركة النهضة أولا الحضور المكثف للأطفال الذين طوقوا جبينهم بمناديل تحمل الشهادتين حاملين ألعابهم التي كانت في شكل أسلحة نارية ... وثانيا بعض الشعارات التي تردد من حين لآخر والتي لا تمت بصلة لذكرى إحياء عيد الشهداء على غرار "جامعة منوبة حرة والكزدغلي على برة" و"ارحل ارحل يا إعلام" فضلا عن الدعوات التي تدعو إلى التكبير لتردد الحناجر : تكبير ؟؟؟ وقد تولى منتصر زنايدية المسؤول عن المكتب السياسي لحركة النهضة إلقاء كلمة منددا فيها بالإعلام الذي بات شعاره "اكذب اكذب ثم اكذب" على حد قوله واصفا اليسار التونسي بأنه" يسار إقصائي "وداعيا إلى "ضرورة تحصين الثورة". وبمجرد تلاقي المسيرتين (اتحاد تونس وحركة النهضة) تعالت الأصوات من كلا الجهتين رغم الحواجز الأمنية التي تفصل الطرفين ليردد أنصار حركة النهضة :"بن علي هرب يا قوادة الشعب".. وتجدر الإشارة الى ان بعض قيادات حركة النهضة حضرت المهرجان الخطابي على غرار عبد اللطيف المكي الذي القى خطابا بالمناسبة.