بقلم : سمير ساسي - يناقش المجلس التأسيسي مشروعا سماه أصحابه بقانون التحصين السياسي للثورة، وأصحابه الذين اقترحوه من ذوي النوايا الصادقة لحماية الثورة، غير ان النية الحسنة لا تبرر الحرام كما يقول الفقهاء فأصحاب المشروع قدموه حين أضاعوا اللبن في الصيف كما تقول العرب اي حين فاتهم التحصين الحقيقي للثورة من ازلام النظام القديم ومن بقايا الدولة العميقة التي تعمل ليل نهار للقضاء على الثورة قيمة وفعلا وتنفر الناس حتى يحنوا لعصا الطاغية الذين سيسوق هذه المرة تحت غطاء المستبد العادل حتى لا يرفضه الناس الذين ذاقوا نعمة الحرية يقول أصحاب المشروع ان هدفهم منع مسؤولي النظام السابق من الترشح في الانتخابات القادمة او ممارسة العمل السياسي لسبع سنين قادمة او تولي مناصب عليا في الدولة، وفي الحقيقة هذا كلام إما انه ينم عن بساطة أصحابه او انه يفترض حمق الطرف المستهدف من القانون، ذلك ان المستهدفين من هذا المشروع ممن خبروا الدولة واجهزتها والحكم وخفاياه هم "اخبث" من ان يكونوا حمقى الى هذه الدرجة التي تجعلهم يقدمون في الانتخابات القادمة مثلا رموزا عرفت بمسؤوليتها التجمعية الواضحة حتى وان لم يكن هناك مشروع قانون لتحصين الثورة مثلما هو الحال الان لأنهم يدركون ان الشعب لن يصوت لمن عرفه مسؤولا تجمعيا أذاقهم الويلات فسادا ومحسوبية وتسلطا ، فضلا عن أن يقدموا هؤلاء الرموز في ظل قانون يمنعهم من الترشح, وفي المقابل لا احسب أن أصحاب المشروع يجهلون هذه الحقيقة وان جهلوها فذلك عين الحمق وهم يدركون ذلك جيدا لأنهم يتابعون بوضوح إصرار الوزير الأول السابق الباجي قايد السبسي على التقدم كمرشح ابرز للرئاسة القادمة رغم ان مشروع الدستور القادم متجه نحو حرمانه من ذلك بحكم عامل السن وما تزال مراكز سبر الآراء تتعمد طرحه للرأي العام في تساوق"خبيث" مع الاجندا السياسية لجماعة السبسي ومن يقف وراءه، فهل السبسي غبي إلى هذه الدرجة وهل هؤلاء الذين يصرون على طرح اسمه أغبياء، طبعا الإجابة بالنفي لهم ولأصحاب المشروع المفترض لتحصين الثورة فمالذي يحصل بالفعل؟ احسب ان الأمر لا يتجاوز مجرد محاولة "إشباع رغبة" لدى حركة النهضة وافقت هوى لدى من ساندها من أصحاب المشروع التي أدركت أنها فوتت فرصة تطهير البلاد من الأزلام حين سمحت لأحزاب تجمعية بالعمل القانوني وحين قامت بتعيين أناس ضالعين في الفساد في مناصب مختلفة خاصة في الإعلام وحين ارتجفت يداها في محاسبة جلادي الأمس من وزراء ومسؤولين أمنيين ولكنها حين اشتد الضغط عليها من الرأي العام الذي انتخبها ومن قواعدها التي ملت هذا العقل الإصلاحي الذي يقود بلاد ثورة حين اجتمع كل ذلك أدركت النهضة ان عليها القيام بخطوة ما فطلعت علينا بمثل هذا القانون الذي لن يقدم ولن يؤخر في النتيجة لان ماكينة التجمع القديمة التي أوصلت إلينا بعض عناصره الى المجلس التأسيسي هي التي ستتولى نسج خيوط اللعبة الانتخابية القادمة وستتولى شراء الذمم لأشخاص لا تشوب حياتهم شائبة في العلاقة مع التجمع ليكونوا القوة الضاربة في البرلمان القادم ولن يكون بيد النهضة او غيرها من الثوار في ظل تمسكهم بالقانون منع هؤلاء من الترشح او الانتخاب، هذه هي الحقيقة لكن معترضين سيقولون ان تناقضا واضحا بين نفينا الغباء والحمق عن النهضة وأصحاب المشروع وبين هذه النتيجة لان من يصلح خطأ فادحا بمثل هذا الحل الساذج سياسيا لا يعدو ان يكون "ساذجا سياسيا"أيضا، ونحن بدورنا لا نجد محيصا من هذه النتيجة لكننا نقرأها كمحصلة طبيعية للمنهج الإصلاحي الذي أسست عليه حركة النهضة تعاملها مع تركة النظام المخلوع ومع استحقاقات الثورة كان قيادتها لم تدرك ان البلاد تعيش ثورة وتحتاج إلى حسم ثوري في الكثير من القضايا او كان النهضة مازالت تعيش مرحلة طلب التأشيرة في ظل النظام السابق مع أخذنا بعين الاعتبار وردا على كل من سيعترض على استخلاصنا هذا ردود فعل المعارضة في التعامل مع حكم الإسلاميين وهو رد فعل اقل ما يقال فيه انه مفتقد لروح المسؤولية الوطنية لان التخوف من تغول الإسلاميين لا يعني هدم المعبد بمن فيه ولكن الضغط من اجل تقويم اي اعوجاج او انحراف للحاكمين الشرعيين، ولسنا نلقي التهم جزافا فمثل هذا السلوك حصر فعل المعارضة في الدفاع عن التجمعيين بل تحالف معهم من اجل إفشال الإسلاميين فقط وهذا عين السذاجة السياسية التي تترك للذئب فرصة العودة حين يتلهى الحملان بصراع نظري مستمد من الايدولوجيا والتاريخ. إذن نحن إزاء قيادة سياسية للثورة ساذجة سياسيا سواء من المعارضة او السلطة، وهي قيادة ضيعت اللبن في الصيف مثلما فعل الثوار الفعليون من الشباب الذين كانوا وقود معركة التحرر من الاستبداد حين تركوا الفرصة لشيوخ السياسة (بحكم السن لا الحكمة) ليتحكموا في مصير الثورة والفعل المدني والسياسي.