◄ ديون المستشفيات للصيدلية المركزية بلغت 280 مليارا - أضحى القطاع الصحي بالمستشفيات مثيرا للاستياء في ظل قلة الأدوية وتعطب اغلب التجهيزات وغياب المتطلبات الضرورية أحيانا بشكل أصبحت فيه وضعية الصحة كارثية وتحولت المستشفيات الى هياكل مهترئة وأخرى شبه منعدمة لتكشف لنا زيارة قصيرة لبعض المؤسسات الصحية الكثير من العيوب اطلعنا خلالها على مشاهد مأساوية بلغت ببعض المرضى ذرف دموعهم لان معاناتهم جعلتهم يؤكدون ان الصحة العمومية اليوم لم تعد مجانية بل انها باتت عمومية بالاسم فقط. وفي ظل الانتقادات التي وجهت الى وزارة الصحة العمومية أكدت نادية فنينة مديرة ادارة الصيدلة ان غياب التنسيق وسوء التصرف أدى الى أزمة أدوية في بعض المستشفيات في وقت تتوفر فيه كميات كبيرة بمخازن الصيدلية المركزية. كما حملت المسؤولية لبعض الأطباء الذين يتعمدون التنصيص على أدوية ليست متوفرة بصيدليات المستشفيات. «الصباح الأسبوعي» حاولت رصد العيوب والسلبيات ومدى مشروعية الانتقادات من خلال جولة بين بعض المستشفيات. الكثير من المرضى وعائلاتهم لم يستطيعوا كتم غضبهم واستيائهم من الحالة المزرية التي وجدوا فيها انفسهم في ظل السلبيات التي باتت السمة الرئيسية بين مختلف المستشفيات لغياب أغلب الادوية وتعطب الاجهزة. غياب الأدوية انطلاقتنا كانت من مستشفى الأطفال حيث كانت ملامح الوجوه وحدها تعكس معاناة المرضى الذين عمقت رداءة الخدمات آلامهم حيث أكد لنا العديد من أوليائهم ان الصحة العمومية لم يبق منها الا الاسم باعتبار غياب شبه كلي للادوية واضطرارهم للقيام بالكشوفات والصور والتحاليل على حسابهم الخاص خارج المستشفى بدعوى ان اغلب الأجهزة الطبية معطبة و»خارج الخدمة». وكنا شاهد عيان على أمّ ذرفت دموعها لعدم قدرتها على توفير ثمن دواء ابنها الذي كان يصارع آلامه بين احضانها وهو ما دفع اصحاب القلوب الرحيمة الى التبرع لها ببعض المبالغ التي اعادت لها بعض الامل حيث خرجت تكفكف دموعها والله وحده يعلم بحالها. وداخل قاعة الاستقبال التقينا لزهر احمد الذي تحسر قائلا «لقد اضطررت الى القدوم من الكاف للقيام بكشوفات طبية على عين ابني الذي أصبح يعاني من مشكلة في النظر لكن الغريب ان عملية مجرد قياس النظر تضطرنا الى التوجه الى مستشفى الاطفال لعدم توفر هذه الخدمة في الكاف. واضافة الى معاناتنا فلا يمكن ان نخفي ان الأدوية تعطى ب»الأكتاف» حيث تسمع احيانا عبارة مشفرة للبعض «دور من غادي» ليحصلوا على الادوية بينما ترفع كلمة «مفقود» في وجه «الزوالي واللي ما عندو والي».. التدخلات و»الأكتاف» ازدادت أكثر وهو ما يشعرنا بالغبن أكثر». وغير بعيد عنه وجدنا الفاضل بن عياد –من باردو- يتأفف وأطلعنا على قائمة طويلة من الادوية التي يتعين عليه اقتناؤها من خارج المستشفى واضاف «مشكلتي لا تتعلق بالدواء فقط بل انهم طلبوا منا اعادة التحاليل والصور لابنتي بدعوى ان ملفها قد «ضاع» وهي عبارة كثيرا ما تتكرر لتثقل كاهل المواطن المسكين بمصاريف اضافية هو في غنى عنها بل انه غير قادر على توفيرها. لا بدّ من مزيد تحسين الخدمات والتفكير في معاناة المريض». تذمّر وحسرة ترجلنا بعض الأمتار فقط ودخلنا مستشفى الهادي الرايس لأمراض العيون حيث كان المشهد مشابها من تذمر وتشك وتبك وحسرة لان الصحة التي كانت مجانية اصبحت مجرد شعار يرفعه البعض في وقت يكتوي فيه المريض بالأسعار «المشتعلة» للدواء الذي يبدو في غالب الاحيان شبه مفقود وحتى ان توفرت بعض انواعه فان سعرها متواضع وهو ما يؤكده ابراهيم السعيدي بقوله «منذ سنتين اخضع الى العلاج بمستشفى العيون وكل الادوية اضطر الى شرائها بينما رأيت بأم عيني -التي يأكلها الدود والتراب– كيف تسلم الأدوية ب»الأكتاف» حيث يمنحونها لمعارفهم واقربائهم ب»الشكارة» وأحرم انا و»الزواولة» أمثالي ولذلك نطالب وزارة الصحة بضرورة توفير الادوية وتشديد المراقبة والضرب بقوة على أيدي المتجاوزين من المنتمين للقطاع». ووافقه ابراهيم المحواشي –اصيل بوعرادة- في كلامه وكشف لنا انه كان مقيما بالمستشفى ومع ذلك يطلبون منه اقتناء الادوية اللازمة من خارج المستشفى على حسابه وأطلق تنهيدة طويلة تعكس حسرته الشديدة ليردفها بعباردة «خلي عزاها سكات».. «كل تحريكة بالفلوس» تركنا مستشفى الهادي الرايس «يغلي» وتنقلنا الى مستشفى شارل نيكول حيث كان بعض المرضى يئنون ويستغيثون وما ان علم بعضهم بموضوع تحقيقنا حتى تجمعوا حولنا و»فرغوا قلوبهم» حيث عبروا لنا عن استيائهم من الخدمات الصحية التي أصبحت رديئة الى حدّ لم يعد يطاق على حدّ تعبيرهم. وقال مهدي هرمي، اصيل فوشانة «خضعت منذ مدة الى عملية جراحية على القلب مما اضطرني الى تناول الدواء بشكل دائم لكن المستشفى لم يراع ظروفي حيث أقتنيه من جيبي رغم وضعيتي الاجتماعية المعدمة زيادة على ان التحاليل والصور و»كل تحريكة بالفلوس».. تصوروا ان دواء «سانتروم» لا يتجاوز سعره 1600 مليم فانه غير متوفر في المستشفى». معاناة في مناطق الظل المشهد يبدو أكثر سوادا وقتامة في الجهات الداخلية ومناطق الظل باعتبار ان آلاف المواطنين ينتظرون يوميا في المستوصفات بمختلف المناطق النائية الساعات الطوال ويعودون في النهاية بخفي حنين لعدم وجود الأدوية على حد تأكيد عديد المواطنين الذين نقلوا لنا معاناتهم وأطلقوا صيحة فزع بشأن الحالة المزرية التي اصبحت عليها المؤسسات الصحية. ولا يمكن تصوّر الحرقة التي يشعر بها المريض لتزداد معاناته أكثر وتتعمق آلامه من جراء شعوره بالغبن والتهميش والنسيان في جهات كان ينبغي ان تتمتع بالأولوية في الخدمات الصحية. ولن نتحدث عن المرضى الذين يضطرون لقطع مئات الكيلومترات أحيانا للتوجه الى المستشفيات التي تتوفر بها التجهيزات الضرورية ولو ان اغلبها «خارج الخدمة»...