فاجأ ليلة أول امس رئيس حركة نداء تونس الباجي قائد السّبسي، خلال حوار أجرته مَعَهُ "قناة نسمة"، المتابعين للشأن السياسي الوطني وحلفاءه السياسيين ومعارضيه بإعلانه نيّته التّرشح للإنتخابات الرّئاسيّة القادمة. فهل أن كان قرار الباجي قائد السبسي مجرد مناورة سياسية لإرباك خصومه السياسيين، أم هو فعلا يعي ما يقول ويرغب في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية.؟ علما ان آخر نتائج سبر للآراء سيعلن عنها اليوم تضعه في مرتبة ثانية في نوايا التصويت بعد حمادي الجبالي رئيس الحكومة السابق في صورة ترشحهما للانتخابات الرئاسية. وقال قائد السّبسي في الحوار أنّ:".. قرارهُ جاء بعد تفكير عميق، واستجابة لنداء الواجب إزاء الواقع الّذي تَعيشه البلاد"، مُشيرًا إلى أنّهُ سيكونُ مُرشّحَ “التّحالف من أجل تُونس”. تباينت مواقف السياسيين بشأن قرار رئيس حركة نداء تونس الترشح للرئاسية وهو الذي يبلغ من العمر86 سنة، رغم أن مسودة الدستور النهائية المنشورة على موقع المجلس التأسيسي تمنع ترشح من يفوق سنه ال75 سنة إلى الانتخابات الرئاسية. وانصب أمس اهتمام عدد من صفحات التواصل الاجتماعي ب"الفايس بوك"، وعديد المواقع الإعلامية الالكترونية على تحليل تداعيات تصريح الباجي، وركّزت الصفحات الموالية لحركة نداء تونس على أحقية الأخير في الترشح للرئاسية، مقابل تجند عديد الصفحات الأخرى المعارضة لنداء تونس لشيطنة قائد السبسي من جهة، واتهامه بأقذع النعوت.. والتأكيد على أن مشروع الدستور يمنع ترشحه لهذا المنصب... ومن بين حلفائه في الاتحاد من اجل تونس من تفاجأ فعلا بقراره، ومن بينهم قياديون في حزبي المسار والجمهوري، لكنهم قلّلوا من تبعاته السياسية السلبية على تماسك التحالف الحزبي الخماسي الذي بدأ يعقد اجتماعا حاسما الخميس المقبل، لبحث مستقبل التحالف، وتفعيل التنسيقية، خصوصا أن تقارير اعلامية تحدثت في الآونة الأخيرة عن وجود فتور بين زعماء التحالف بسبب تباين المواقف السياسية من عديد الملفات على غرار ملف الحوار الوطني.. علما ان منذر بلحاج علي القيادي في نداء تونس أكد في تصريح ل"إكسبريس اف ام" أن الباجي لم يعلم حلفاءه في الاتحاد من اجل تونس بقراره. مناورة سياسية ومن بين اشد المعارضين للطموح السياسي لرئيس الحكومة السابق رئيس حركة وفاء عبد الرؤوف العيادي الذي قال في تصريح ل"قناة المتوسط"، إن إعلان الباجي قائد السبسي ترشحه للرئاسة "ليس سوى مناورة سياسية لخلق أزمة بالبلاد"، وأضاف أن هذه الخطوة "تعتبر تحديا للمشرّع خاصة أن النسخة الثالثة للدستور تحدد السن الاقصى للترشح للانتخابات الرئاسية ب75 سنة وهو ما يتناقض مع وضعية السبسي الذي بلغ87 سنة". و أكد العيادي أنه كان من المفروض على قائد السبسي أن يكون"أول المحترمين للمشرع"، وأشار إلى أن السبسي انطلق في حملة انتخابية مبكرة لإلقاء الاضواء على هذا القرار الّذي أعلن عنه. أما الصحبي عتيق رئيس كتلة حركة النهضة بالمجلس التأسيسي فقال لراديو "كلمة"، ان الباجي قائد السبسي"غير معني بالانتخابات الرئاسية نظرا لأن مشروع قانون الانتخابات يحدد سن الترشح بين 40 و75 سنة، إلا في صورة تنقيح القانون وهي مسألة بيد المجلس التأسيسي وواضعي الدستور"حسب قوله. مفاجأة كما عبر عضو المكتب التّنفيذي للحزب الجمهوري المُكلّف بالشّباب وسام الصّغير، عن تفاجأه بقرار قائد السبسي الترشح للرئاسة باسم التحالف من اجل تونس، وقال في تصريح لموقع جدل: “بدا شخصيّا ومُخلًّا بميثاق التّحالف الانتخابي والسياسي الّذي أمضاهُ رفقةَ حُلَفَائه في الاتّحاد من أجل تونس”.. واضاف:“هذا القرار كان مُفاجِئًا لحُلفَائِه، وبَعَثَ برسائل سلبيّة قد تعيق توسيع الجبهة وتُعطِّلُ العمل المشترك بين أطرافها”. أما السيد ياسين ابراهيم القيادي في الحزب الجمهوري فقد صرح ل"الصباح" أن قرار الباجي "شخصي ولا علم بالحزب الجمهوري بقراره"، مفيدا ان حزبه لم يتفق بعد على مرشح للرئاسية، وأن أحزاب التحالف من أجل تونس اتفقت على ترشيح مرشح واحد.. وقال إن الحزب الجمهوري دافع عن مبدأ عدم تحديد سن المترشح للرئاسية وتركه مفتوحا، معبرا عن عدم اعتراضه على ترشيح الباجي"باعتباره هو الذي سمح للمعارضة أن يكون لديها وزنا في الساحة السياسية". من جهته أكد عضو المكتب السّياسي للمسار الدّيمقراطي سمير بالطيّب أنّ "من حقّ كلّ شخصيّة وطنيّة أن تُعلِنَ عن نِيَّةِ التّرشّح للإنتخابات القادمة”، مُشيرا إلى “أنّ موقف الباجي قائد السبسي كان شخصيًّا ويبدو أنّ قيادات نداء تونس لا عِلمَ لها به”. كما نَبّه إلى أنّ "نداء تونس عضو في تحالف انتخابي وسياسي يجب أن تكُون لَهُ آليات عمل ديمقراطيّة ليكون لهُ مُرشّحٌ واحد للرّئاسيّة القادمة”. وأوضح بالطّيّب أنّ شرط سن المترشح للرئاسية ب75 سنة الوارد بمسودة الدستور "قابل للتّعديل في النّسخة النّهائيّة للدّستور التّونسي." رسالة تصريح الباجي قائد السبسي اذن قد يفهم من عدة زوايا، لكن عليه توضيح موقفه من المسألة خصوصا لحلفائه نداء تونس، هل هو قرار شخصي ومجرد رغبة شخصية، وليس نابعا من قرار الهياكل الداخلية لحزب نداء تونس، أم هي رسالة مشفرة لخصموه السياسيين على سبيل "تدريع الخواطر"، أم أنه حسم امره نهائيا بالترشح رسميا للرئاسية..علما أن حلفائه يرون أنّ تحديد مُرشح الاتّحاد من أجل تونس للرّئاسية ومُرشّحِيه للانتخابات التّشريعيّة يَجِبُ أن يكُون حصيلة عمل لجنة الانتخابات الّتي تمّ تشكيلها، سعيًا للتّوافق ووضع أرضيّة مُشتركة للحُلفاء داخله. تجدُرُ الإشارة إلى أنّ مشروع الدّستور في نسخته الثّالثة يُحدّدُ شُروط الترشح للإنتخابات الرئاسيّة والسّن الأقصى له، والّتي تمّ تحديدها ب75 سنة وهو ما يتنقاض مع وضعيّة الباجي قايد السّبسي الّذي بلغ 87 سنة. مشروع قانون تحصين الثورة فهل سيكون فعلا قائد السبسي مرشح نداء تونس، والتحالف من أجل تونس للرئاسية؟ علما أن محامى حركة نداء تونس الأستاذ عبد الستار المسعودى قال أمس في تصريح لإحدى الإذاعات أن الباجي أعلن ترشّحه للإنتخابات الرئاسية المقبلة لأنه "لن تتم المصادقة على الدستور في صيغته الحالية"، مؤكّدا أن المهم هو الحالة الصحية للمترشح. وأفاد المسعودى أنّه حسب تركيبة المجلس التأسيسي فإنه "لن تتم المصادقة على الفصل 75 من المسودة الثالثة للدستور الذي يحدّد السن القصوى للمترشّح لرئاسة الجمهورية ب75 سنة". لكن يجب ان لا ننسى أن مشروع قانون تحصين الثورة ما يزال مطروحا امام المجلس التأسيسي وعبرت أكثر من كتلة برلمانية عن عزمها تمريره للتصويت في جلسة عامة، وقد يكون الباجي قائد السبسي من أولى الشخصيات المعنية بالإقصاء.. وبالتالي فإن حصل ذلك فعلا، وتم تمرير القانون فقد يجد نفسه مضطرا ولو نظريا لترك الحياة السياسية.. يذكر ان انصار حركة نداء تونس، استدلوا بتجربة الرئيس الإيطالي جورجيو نابوليتانو الذي إنتخبه الإيطالييّون يوم الأحد الفارط لمدّة رئاسيّة ب 7 سنوات يبلغ من العمر 88 سنة وإنتُخب نظرا لخبرته الطويلة ولثقة الايطاليّين في قدرته على الخروج بالبلاد من الأزمة السياسيّة والاقتصاديّة الحادة التي تمرّ بها إيطاليا.