أكد العديد من نواب المجلس الوطني التأسيسي خلال اجتماعهم أمس بقصر باردو المخصص لمواصلة نقاش مشروع القانون الأساسي المتعلق بتنظيم العدالة الانتقالية وضبط أسسها ومجال اختصاصها، على ضرورة غربلة المؤسسات التونسية بمختلف أصنافها لتخليصها من الفاسدين ولإصلاح التشريعات المنظمة لكيفية تسييرها، ولضمان عدم تكرار الانتهاكات ودعا بعضهم إلى سن قانون "من أين لك هذا؟" وتوخي الصرامة في تطبيق القانون المتصل بالتصريح بالممتلكات الذي لا ينسحب على أعضاء الحكومة فحسب بل يشمل الموظفين السامين بالمؤسسات العمومية، وذهب آخرون إلى أبعد من ذلك وطالبوا بدسترة هذا القانون وارجاع هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد إلى باب الهيئات الدستورية واستغربوا حذفها من مسودة الدستور وناقش نواب لجنتي التشريع العام والحقوق والحريات والعلاقات الخارجية باستفاضة الفصل المتصل بإصلاح المؤسسات.. واعتبروه أهم ما تضمنه مشروع القانون، ويهدف اصلاح المؤسسات وفق ما نص عليه هذا الفصل الخامس عشر الى تفكيك منظومة الفساد والقمع والاستبداد ومعالجتها بشكل يضمن عدم تكرار الانتهاكات واحترام حقوق الانسان وارساء دولة القانون ويقتضي إصلاح المؤسسات خاصة مراجعة التشريعات وغربلة مؤسسات الدولة ومرافقتها ممن ثبتت مسؤوليته في الفساد والانتهاكات وتحديث مناهجها واعادة هيكلتها وتأهيل أعوانها.. وتمحور النقاش حول مدى ضرورة الإصلاح ومن سيتولى الغربلة؟ وفي هذا السياق بين النائب سمير بن عمر أن أبرز ما احتواه مشروع القانون هو عملية الغربلة لذلك لا يمكن حذف هذه المهمة، لأنه في تلك الصورة سيقع إفراغ القانون من محتواه وتمكين الفاسدين من الإفلات من المحاسبة والمرور مباشرة للمصالحة.. واقترح امكانية اضطلاع هيئة الحقيقة والكرامة بمهمة الغربلة وتمكينها من إعفاء من تبيّن لها بالقرائن والحجج تورطهم في الفساد. وطالب النائب بتفعيل قانون التصريح بالممتلكات وتطبيقه على الموظفين السامين وكل موظف يدلي بتصريحات كاذبة أو يمتنع عن التصريح بممتلكاته في ظرف شهر فانه يعفى من مهامه كما يجب على حدّ تأكيده سن قانون "من أين لك هذا؟" قصد محاسبة كل موظف عمومي يعجز عن إثبات مصدر ممتلكاته وإعفائه من مهامه.. وتساءل من أين لموظف في البلدية ان يتملك أربعة أو خمسة عقارات.. وقاطعته النائبة كلثوم بدر الدين رئيسة لجنة التشريع العام لتضيف انها تعرف قضاة في صفاقس يمتلكون مراكب لصيد الطن وفي نفس السياق طالبت النائبة آمال غويل بدسترة "من أين لك هذا؟" لوضع حدّ للفساد المستشري في البلاد وطالبت النائبة حنان ساسي بإرجاع الفصل المتصل بهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد في الدستور وهو نفس ما شددت عليه النائبة ريم محجوب والنائبة سعاد عبد الرحيم رئيسة لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية التي أطلعت النواب على خبر مفاده أن عددا من الجمعيات وجهت مراسلة للمجلس الوطني التأسيسي أول أمس لدعوته إلى إعادة تلك الهيئة في الدستور.. وهذه الجمعيات هي جمعية "توانسة لليقظة والمواطنة"، و"الجمعية التونسية للشفافية والطاقة والمناجم"، و"مركز المواطنة والديمقراطية" وجمعية "الشفافية أولا" وجمعية "الشفافية 25" وجمعية "صوتي قفصة" وجمعية "أنا يقظ" و"اتحاد التونسيين المستقلين من أجل الحرية" إقالة الفاسدين طالب العديد من النواب بعدم انتظار تحقق اصلاح المؤسسات لمحاسبة الفاسدين، وذكرت النائبة سناء المرسني أنه بالنظر إلى التجارب المقارنة في مجال العدالة الانتقالية يمكن ملاحظة أن اصلاح المؤسسات تطلب وقتا طويلا واستوجب سن قوانين جديدة.. لكن هذا لا يمنع من فتح ملفات الفاسدين بالتوازي وإعفاء موظفين سامين تورطوا في الفساد وأما النائبة نادية شعبان فعبرت عن حذرها من المحاسبة قبل توفر الأدلة اللازمة وبينت أنه من المهم تشريك الهيئة المستقلة للقضاء العدلي في عملية الغربلة.. واقترح النائب خليد بلحاج إحداث هيئة وطنية مختصة في الغربلة واصلاح المؤسسات تكون مستقلة عن الحكومة وعن الأغلبية الحزبية داخل المجلس النيابي، وتكون لها استراتيجية بعيدة المدى وأهداف واضحة وتقديرات مضبوطة في الزمن لتجنب ما حدث في المجلس الوطني التأسيسي الذي حدد مدة لعمله لا تتناسب مع حجم المهام المناطة بعهدته وذكر النائب هشام بن جامع أن العدالة الانتقالية تفترض المحاسبة وكشف الحقيقة لكن هذا لا يحجب أن الحكومة من واجبها مقاومة الفساد والاصلاح، واتخاذ اجراءات رادعة ضد الموظفين أو المنشآت. ونبه النائب سليم بن عبد السلام إلى ضرورة الفصل بين غربلة المؤسسات وبين اصلاحها لأن اصلاح المؤسسات لا يعني محاسبة الأشخاص، بل تفحص الاطار القانوني للمؤسسة لتبين أسباب حصول قمع أو فساد ولضمان مبدإ التقاضي وتعبر النائبة هاجر عزيز ان إحداث هيئة غربلة بصلاحيات محدودة لن يكون له فائدة ولن تستطيع تلك الهيئة الحدّ من الفساد الذي تغلغل في المؤسسات وأكدت على ضرورة إحداث هيئة غربلة داخل كل مؤسسة بهدف تحقيق عدالة انتقالية فعلية. وكررت تنديدها بالقضاة الفاسدين أما النائبة سنية تومية فقدمت في مداخلتها مقترحات تدقيق لغوي وإعادة ترتيب فصول مشروع القانون