"الطاغوت"..كلمة تردّدت كثيرا في الايام الاخيرة استعملها عدد من منتسبي "السلفية الجهادية" في تعبير عن موقفهم من اعوان الامن وفي تعريفهم لهم. وقد ازدادت العلاقة توترا بين هذا التيار والامنيّين مع ما شهدته العديد من مناطق البلاد بخصوص الخيمات الدّعوية قد خلق نوعا من التجاذبات التي وصلت في بعضها الى الاستعانة بالغاز المسيل للدموع من جهة والحجارة من الجهة المقابلة. وآخر المحطات وليس اخيرها، لهجة التحدّي والتهديد من قبل انصار الشريعة على لسان متحدثها الرسمي الذي اختار في الاسبوع المنقضي مسجدا ليعقد ندوة صحفية حول اعتزام تنظيم التيار لمؤتمره الثالث بالقيروان برخصة او بدونها محمّلا الحكومة مسؤولية ما قد يحصل. لم تكن المصادمات ببين التيار الجهادي والامنيّين قليلة بل كانت حاضرة في اكثر من حدث بعد الثورة، لذلك بقي الطرفان في مواجهة مفتوحة ان صحّ التعبير- بين طرف لا يعترف بالدولة المدنية وبالقوانين الوضعية وطرف آخر بعمل على تنفيذ القوانين المعمول بها في البلاد. وفي ظل هذا الاختلاف بينهما، فمن يقف وراء توتير الاجواء وشحنها والتصعيد بين الطرفين؟ ومن المستفيد من كل ذلك؟ تعتبر السّلفية الجهادية ان أي دولة او حكومة تحكم بالقوانين الوضعية أيا كانت صفتها او لونها او صبغتها , "فهي حكومة كافرة يجوز الخروج عليها بل ومقاتلتها في تدخل في حكم الطوائف الممتنعة التي امتنعت عن تطبيق الشريعة الاسلامية بقوة السلاح والشوكة , بل وأجبرت الناس على الالتزام بالقوانين الكفرية , وتعاقب مخالفها , فوجب الاخذ على يدها حتى تعود الى امر الله مثلما يشدّد منتسبو هذا التيار على ذلك. وقد جاء في تعريف للسّفية الجهادية في احد المواقع الالكترونية ان هذا التيار "يعتبر كل الحكومات في بلاد المسلمين سواء سمّت نفسها اسلامية او غيره فهي تحكم بالقوانين الوضعية , فهي حكومات كافرة , وان الحكام المتسلطين اليوم على رقاب المسلمين هم مرتدّون كفار بأعيانهم". وعلى اعتبار ان المؤسّسة الامنية هي الجهاز المعني بتنفيذ القوانين فانها بالتالي ستكون في مواجهة مباشرة مع حاملي هذا الفكر الرافض للقوانين الوضعية وللدّولة المدنية ككل وللحكومات التي تقول بالقانون الوضعي حتى وان كانت مسلمة. اعطاء انطباع.. يقول الدكتور اعلية العلاني الخبير في الجماعات الاسلامية:"تعد اولى عمليات التيارات الجهادية في الجزائر ومصر وتونس اينما وجد هي استهداف الامنيين لاعطاء انطباع ان يدها تطال الجهاز التنفيذي في الدولة واحد اهم قوتها، وهي كذلك رسالة ضمنية للسياسيين اتحذرهم بانهم غير بعيدين عن عمليات الاغتيال. تريد التيارات الجهادية ان تصبح رقما في المعادلة المجتمعية في البلاد يعمل له الف حساب، فهي تبحث من وراء ذلك عن القول بانه من الصعب التغاضي عن إعطائها مساحة تنشط فيها ، فهي تعوّل على القوة والعنف لافتكاك موقع لها في المجتمع لانها لا تؤمن بالعمل السياسي السلمي بل تفرض وجودها عبر اعتداءات وعمليات يصحبها عنف كبير". لمصلحة من..؟ قد يتساءل البعض عن سبب تصعيد التيارات الجهادية في الاونة الاخيرة عبر ما شهده جبل الشعانبي والذي اكدت في شانه وزارة الداخلية ان التحصّنين بالجبال من منتسبي تيارات دينية متشدّدة وتعني بذلك التيار الجهادي، لماذا هذا الوقت بالذات للرفع من وتيرة المواجهة ؟ سؤال توجّهنا به لعلية العلاني الذي اكّد لنا ان التيارات الجهادية عموما لا تستطيع ان تصل الى الحكم وبالتالي ستخدم ضمنيا احزابا وتيارات ليس لها مصلحة في اجراء الانتخابات قريبا لعدم جاهزيتها على حد تعبيره. ويضيف قائلا:"ارادوا التصعيد الآن بالذات لانهم بداوا يدركون جيدا ان الانتخابات قد اقترب موعدها ، كما شارفت صياغة الدستور على نهايتها. عموما اعتقد ان التصعيد في خطاب التيارات الجهادية على غرار ما جاء على لسان المتحدث باسم انصار الشريعة في الندوة الصحفية الاخيرة بمثابة الحرب الكلامية والاعلامية الغرض منه دعائيا وانتخابيا بالاساس". دعوات.. تناولت طاولات الحوار التي جمعت عددا من الاحزاب في دار الضيافة او في قصر المؤتمرات موضوعي العنف والارهاب، كما تطرق مسؤول الاحزاب الى هذين المسالتين بالتحذير منهما على غرار ما جاء على لسان راشد الغنوشي رئيس حزب حركة النهضة في الندوة الصحفية الاخيرة التي عقدت بمقر الحزب حيث شدّد على ان اسوأ أنواع العنف ما استظهر باسم الدين إذ لا مبرر لممارسة العنف باسم الدين. كما دعا السّلفية الجهادية الى تحديد موقفها من هذا الموضوع (اي موضوع العنف) ناهيك عن دعوة المجتمع المدني من مثقفين وسياسيّين الى العمل من اجل تحقيق السلم الاجتماعي. وكانت لعدة اطراف سياسية دعوات سابقة الى ضرورة عقد مؤتمر وطني ضد العنف ومن بين الداعين اليه في الكثير من المرات قبل اغتيال شكري بلعيد الامين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد. حوار وطني.. وفي نفس السياق يقول اعلية العلاني:"نحن في حاجة مستعجلة لعقد مؤتمر وطني لمكافحة الإرهاب بحضور كل الحساسيات الدينية والسياسية يمكن ان تصدر عنه وثيقة مشتركة او ميثاق وطني ضد الإرهاب يضم تحديد معنى الارهاب وطرق ووسائل مكافحته ناهيك عن مكافحة كل أشكال العنف والاتفاق بشان معنى الدولة المدنية والديمقراطية. واذا ما اتفق الجميع فان ذلك سيكون مقدّمة هامّة وارضية مناسبة لانتخابات تجرى في ظروف جيّدة وملائمة لان الحرب على الإرهاب ليست حكرا على الدولة بل مسؤولية مشتركة بين كل مكونات المجتمعين السياسي والمدني". تقتضي المرحلة الحالية تكاتف جهود جميع الاطراف لان اي تصعيد من اية جهة قد يضر بمصلحة المسار الانتقالي ويزيد الوضع الاقتصادي تازما على اعتبار ارتباطه الوثيق باستقرار الوضعين السياسي والامني.