تونس - الصباح الاسبوعي تونس تستثمر في الكفاءات والدول الأجنبية تيتفيد منها تمثّل الأدمغة أغلى رأس مال بالنسبة لأي دولة، فالعلماء والكفاءات هم أدمغة الوطن وعلى عاتقهم تتطور الأمم وتتحقق نهضة المجتمعات وتعتبر تونس إحدى الدول العربية التي ترسل أبناءها الطلبة إلى الخارج لتنمية قدراتهم العلمية ليعودوا فيما بعد إلى أرض الوطن ويساهموا في تحقيق التطور العلمي وخلق أجيال أخرى من الكفاءات فكم هو عدد الطلبة التونسيين الموجودين بالخارج؟ وما قيمة المبلغ الذي استثمرته الدولة فيهم لتكوين كفاءات تونسية؟ سؤالان سعت "الصباح الأسبوعي" إلى الحصول على إجابتهما منذ أسبوعين تقريبا لكن دون نتيجة. فرغم وجود إدارة معنية بالهجرة الطلابية بوزارة التعليم العالي، فإنه لم يتسنّ لنا الحصول على أي معطى إحصائي وبعد عديد المكالمات الهاتفية والرسائل الالكترونية التي جمعتنا بالمكلف بالاتصال بوزارة التعليم العالي، علمنا أنه لا يوجد أي معطى إحصائي حول عدد الطلبة الموجودين بالخارج ولا أية معلومة عن حجم الأموال التي صرفتها الدولة على هؤلاء الطلبة. فهذه الأموال هي في نهاية الأمر جزء من المال العام الذي تخيّر الدولة توظيفه من أجل أهداف إيجابية فقد أفادنا المكلّف بالاتصال بوزارة التعليم العالي أنه "لا يوجد قسم يعنى بتوفير الإحصائيات صلب الوزارة"، وهو مشكل نعاني منه في معظم وزاراتنا تقريبا، فالمعلومة الإحصائية دائما "مغيبة" كي لا نقول غائبة، لكن نسي المسؤولون بهذه الوزارات أنه لا يمكننا أن نتقدمّ أو نصلح عيوبنا ونتدارك أخطاءنا دون توفّر المعلومة الإحصائية لأنها نصف الحل لقد دفع بنا عدم معرفة عدد طلبتنا بالخارج إلى التفكير في كفاءاتنا التونسية الموجودة بالخارج والتي تكوّن عدد مهمّ منها بالدول المتقدّمة باعتبار أنه درس واشتغل فيها وهو ما يؤدّي بدوره إلى صعوبة تأقلمهم في صورة العودة إلى تونس. لقد كان بإمكان الدولة، ومن واجبها أيضا، أن تحتوي أبناءها الطلبة بالخارج وتؤطرهم وتتابع أخبارهم بصفة مستمرة حتى يقع تعزيز الشعور بالانتماء إلى الوطن لديهم والحفاظ على ذلك الشعور، لكن كيف لها أن تقوم بذلك الدور وهي غير ملمّة بعدد أبناءها بالخارج؟ كان من الأجدر عليها أن تتابع أخبار أبنائها الطلبة بصفة مستمرة وتحرص على إعادتهم لتونس والاستفادة من خبراتهم ولو لفترة مؤقتة لأنهم كفاءات المستقبل، ولكن كيف لها أن تقوم بذلك وهي لا تعلم عددهم؟ 3698 كفاءة تونسية بالخارج لقد باتت تونس اليوم من أهم الدول المصدرة للأدمغة والدول المتقدّمة باتت المستهلك الرئيسي لها، فالإهمال الذي مارسته الدولة على أبنائها عوضّته تلك الدول المستقبلة لهم بالحفاظ عليهم من خلال احترامهم أولا وتوفير كل ما يحتاجونه ثانيا اليوم مثلا لدينا 3698 كفاءة تونسية بالخارج بينهم 1387 كفاءة موجودة بفرنسا و592 في كندا و497 بالولايات المتحدة، لكن من هذه الكفاءات؟ ما مجال نشاطها؟..إجابة غير متوفرة لدى أبناء وطنهم، فهناك قطيعة واضحة بينهم وبين وطنهم باستثناء بعض الأسماء فالدولة لا تتذكرّ أنّ لديها كفاءات بالخارج إلا عندما يقع تكريمها أو تقديم إحدى الجوائز لها.. وحينها فقط تتذكرّ أن تفتخر بهم إنّ هجرة الأدمغة أو ما يسميها البعض ب"نزيف الأدمغة" له تداعيات علينا، ولعلّ أولى هذه التداعيات هو إقصاء الجامعات التونسية من تصنيف "شنغهاي 2012"، إذ لم يعثر في هذا التصنيف على أي جامعة تونسية. ويعتبر هذا التصنيف الذي يعرف باسم "التصنيف الأكاديمي للجامعات العالمية" من أكثر التصنيفات العلمية للجامعات قوة وشهرة واحتراما، نظرا لكونه يعتمد التميز في البحث العلمي أساسا للتصنيف ولاعتماده معايير قطعية وموضوعية وفي ترتيب لأفضل 100 جامعة بإفريقيا لسنة 2013 نشر بموقع 4icu.org، كانت جامعة منوبة أول جامعة تونسية تظهر في الترتيب وتحتل المرتبة 70 في ترتيب أحسن جامعة إفريقية بعد عديد الجامعات من دولة الصومال وأوغندا ورواندا، وهو ما مثلّ صفعة للجامعات التونسية صحيح أنّ من حق هؤلاء الطلبة ومن حق كفاءاتنا أيضا أن يتجهوا للخارج وخاصة الدول الأوروبية للدراسة والعمل، فهناك يجدون ظروف العمل والدراسة والعيش الملائمة، ولكن من واجب الدولة أيضا أن توفّر لهم عناية خاصة وتثبت لهم ذلك بهدف الاستفادة من خبراتهم فلدينا خيرة الأساتذة والأطباء والمهندسين والعلماء الذين يدرّسون في أعرق الجامعات الأجنبية، ومع ذلك طلبتنا محرمون من خبراتهم..لماذا لا تحرص الدولة على دعوتهم لتقديم محاضرة ولو مرتين في السنة للطلبة، فالدولة استثمرت في هذه الكفاءات البشرية التي تمثّل أغلى رأس مال بالنسبة إليها، وهي بالتخلي عنهم تفقد أهم ثروة لديها. كما من واجب أصحاب الأدمغة أن يقدّموا خدمة لبلدهم، فالانتماء للوطن لا يكون ببطاقة هوية أو بحمل جنسية إن تونس كغيرها من الدول العربية نجحت في خلق كفاءات بشرية ولكنها لم تحافظ عليها، وعليها أن تعمل الآن على وضع خطة واضحة للاستفادة من كفاءاتها والحفاظ عليها والحدّ من "نزيف" أدمغتها نحو الدول المتقدّمة ولا بدّ من وضع حوافز تشجيعية تساعد على عودة هذه الكفاءات لأوطانها وتقديم خدمات لمؤسسات الدولة