الأجور المغرية والإمكانيات المتاحة للعمل تشجع آلاف التونسيين.. تونس الصباح - قبل أيام وخلال رحلة عودتي من الولاياتالمتحدةالامريكية إلى تونس لفت انتباهي وأنا في الطائرة وجود عدد هام من التونسيين.. وخلال هذه الرحلة الطويلة بين مطار واشنطن ومطار شارل ديغول باريس فمطار تونسقرطاجبتونس تجاذبنا أطراف الحديث وكان ثلاثة منهم يقيمون منذ ما يزيد عن خمس سنوات وإثنان منذ خمس سنوات.. ونظرا للبشاشة التي كانت تعلو وجوههم فرحا بالعودة إلى ديارهم.. وبدافع الفضول تجاذبت معهم أطراف الحديث وكانت مقاعدهم على يميني ويساري.. وسألتهم بعد التعارف عن سبب إقامتهم في الولاياتالمتحدةالامريكية فقالوا إن هذا السؤال لا يحتاج إلى جواب لانه بديهي.. فالمال هو السبب الاول وقالوا إنهم يعتقدون أن كل تونسي يتوق إلى العيش في مثل هذا البلد المتقدم وإنجاب أطفال فيه لكي يتمتعوا بالجنسية وبكثير من الامتيازات.. وقال أحدهم وهو طبيب إن أمريكا حققت له ما كان يحلم به في ظرف وجيز.. وقال آخر وهو رجل أعمال أن مناخ الاعمال هناك مشجع للغاية لانه بعيد كل البعد عن بيروقراطية العالم الثالث.. وقال جليسه إن توفر وسائل الاتصال خففت من إحساسه بالغربة.. وأن المكاسب المادية التي حققها خلال إقامته مدة أعوام بأمريكا جعلته يسعد كثيرا بوضعه ويرضى على نفسه لانه أمّن مستقبله ومستقبل عائلته. فالاجور المغرية ونوعية الحياة التي توفرها الولاياتالمتحدةالامريكية للمهاجرين من أصحاب الكفاءات على ما يبدو تسيل اللعاب.. وليست الولاياتالمتحدةالامريكية فقط تستنزف أدمغتنا وأصحاب رؤوس الاموال من أبناء تونس بل تشير الاحصائيات إلى أن البلدان الاوربية تأتي في الصدارة.. وهو أمر يدعو إلى القلق.. ففي ما مضى كانت هذه البلدان تفتح أبوابها لليد العاملة من غير أصحاب الكفاءات.. ولكنها الان أصبحت تستقطب الخبرات وأصحاب الادمغة وتفتح لهم ذراعيها وتغريهم بما توفره لهم من أجور ومن إمكانيات رهيبة للعمل والابداع وتحقيق النجاح المهني.. في حين نجدها تصدّ أمام بوابات سفاراتها طالبي التأشيرة من ذوي المستويات الدراسية المتواضعة وهي تطالب بتوفر شروط مجحفة بالنسبة لخريجي مراكز التكوين المهني. وفي هذا الصدد يمكن الاشارة إلى بعض الارقام المتعلقة بالكفاءات التونسية بالخارج.. ففي أوروبا نجد ما يزيد عن 2600 كفاءة.. وفي أمريكا نجد ما يقارب عن 1300 كفاءة وفي البلدان العربية هناك قرابة 1100 كفاءة وفي إفريقيا أكثر من 1100 وفي آسيا 20 كفاءة. اختصاصات متنوعة باعتبار مجالات النشاط تتوزع هذه الكفاءات على المدرسين الباحثين ويتجاوز عددهم 1170 والمهندسين والمهندسين المعماريين ويتجاوز عددهم 1190 والاطباء والصيادلة ويفوق عددهم 60 والمختصين في الاعلامية ويتجاوز عددهم 170 والمحامين ويتجاوز عددهم 80 ورجال الاعمال ويتجاوز عددهم الالف وغيرهم من الاطارات ويفوق عددهم 1600 إطار. وبالنظر إلى توزيع المدرسين الباحثين بفرنسا مثلا نجد 133 أستاذا و87 أستاذا محاضرا و130 مدرسا باحثا و102 مكلفا ببحث و40 في اختصاصات أخرى. ونجد في أمريكا وكندا 205 أستاذ و56 مدرسا باحثا و40 مكلفا ببحث.. كما نجد عددا كبيرا من الاساتذة في الدول العربة والبلدان الاوربية وإفريقيا وآسيا. أما بالنسبة للاطباء والصيادلة التونسيين بالخارج فنجد في فرنسا 348 منهم وفي بقية البلدان الاوربية 449 وفي بلدان أخرى من العالم 667 نفرا.. ويتوزع المهندسون والمهندسون المعماريون التونسيون بالخارج على بقاع متفرقة من العالم ونجد على سبيل المثال 327 منهم بفرنسا و647 ببلدان أوروبية و1372 في بلدان أخرى من العالم. وإذا نظرنا إلى هذا العدد المهول من الكفاءات وإلى حجم نفقات البلاد عليهم خلال سنوات طويلة من الدراسة والتكوين والتأطير خاصة بالنسبة للمهندسين والاطباء سندرك أن هجرتهم خسارة فادحة لا تعوض.. وهو ما يدعو إلى التفكير في مسألة هجرة الادمغة بجدية قصد إيجاد حلول لها حتى لا تستفحل أكثر في المستقبل..