من المؤكد ان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قد صدم الكثيرين في عالمنا العربي من خلال تصريحه الذي أدلى به أخيرا في الكويت والذي قال فيه بصراحة وبوضوح لا يشوبه لبس أنه لا يوجد حل عسكري في سوريا وإشارته إلى أن سوريا ليست ليبيا... وأول هؤلاء المصدومين هم أولئك الذين غذوا آمالا وبنوا أوهاما على احتمال أن تذهب واشنطن في الدفاع عن قضية الشعب السوري والانتصار لحقوقه ومطالبه العادلة في الحرية والديموقراطية واحترام حقوق الانسان وفي عدائها لنظام الرئيس بشار الأسد إلى حد تجييش الجيوش وتبني خيار التورط عسكريا في سوريا على غرار ما فعلته في ليبيا من أجل تغليب كفة المعارضة السورية المسلحة وتمكينها من بلوغ هدف إسقاط هذا النظام هؤلاء فاتهم أن يستقرئوا جيدا السياسة الأمريكية ويراجعوا المبادئ التي تحكمها والثوابت التي تنبني عليها وهي مبادئ وثوابت لم يحدث أن تغيرت على مدى عقود، ومن أهمها تغليب مصالح الولاياتالمتحدة الاستراتيجية ومصالح حليفتها الأولى في المنطقة ألا وهي إسرائيل، سواء من خلال تسليحها بأحدث أنواع الأسلحة والحفاظ على تفوقها في كافة المجالات على كل جاراتها العربيات أو من خلال إعاقة والتصدي لأي خطر محتمل قد يتهددها قد يقال، وما دخل إسرائيل في ما ورد في تصريح السيد كيري المشار إليه؟ والجواب في اعتقادنا يتلخص في أن الوضع في سوريا مختلف تماما عن ذاك الذي سمح بتدخل قوات حلف شمال الأطلسي في ليبيا، حيث توجد حدود مشتركة مع الدولة العبرية ما يجعل أمن هذه الأخيرة محل تأثر بالتطورات الحاصلة فالولاياتالمتحدة المهووسة بأمن الكيان الصهيوني أكثر من أي شيء آخر لا يمكن أن نتوقع منها المخاطرة بتعريض حليفتها الرئيسية لخطر حلول نظام أكثر عداوة لها في جارتها سوريا، وهو خطر قائم في ضوء ما وصل إليه توزيع القوى الفاعلة على الأرض السورية حيث باتت الجماعات الجهادية المتطرفة تهيمن على جانب كبير من العمل المقاوم المسلح، وفي ظل عجز المعارضة السورية عن إنهاء حالة الضعف والانقسامات السائدة في صفوفها بل يبدو من الواضح أنها حسمت موقفها، بعدما فشلت في محاولاتها توحيد المعارضة السورية وتقويتها، باتجاه الدفع نحو حل تفاوضي ينهي الأزمة سلميا حتى لو بقي نظام بشار الأسد في السلطة، أو ترك الاقتتال يستمر لسنوات طويلة مقبلة بلا منتصر أو مهزوم، عملا بالمثل القائل: "أتركوهم يدمرون أنفسهم"