بقلم: د.المعز لدين الله العبيدي* الديمقراطية ليست في الواقع والحقيقة نظاما ملائكيا لا مناص منه ولا يوجد بديل له، هو نظام جاء به الاغريق منذ قديم الزمن لتنظيم الحياة السياسية بين طبقتين من المجتمع لا سبيل للتقارب بينهما ولكن هدفه كان ايصال طلبات الاغلبية الفقيرة والمهمشة والغير متعلمة لاقلية مثقفة ماسكة بزمام السلطة عبر التمثيلية الانتخابية لمحاولة تحسين ظروفهم المعيشية، هو نظام يعتمد اذن التمثيل بالوكالة قيم على انه اخف الضررين واحسن من الحكم الفردي العسكري من جهة ومن الفوضى من جهة اخرى لكن ما لم يتفطن له الكثير هو ان اهم من النظام الديمقراطي الذي لا يعدو الا ان يكون اسلوبا هيكليا وآليات لتسيير وتنظيم الحكم هو نوع المجتمع الذي سيفرزه ذلك النظام الديمقراطي هل هو: مجتمع طائفي (مثل لبنان) مجتمع ديني (مثل ايران) مجتمع عرقي عنصري (مثل جنوب افريقيا قبل سنة 1994 واسرائيل حاليا) مجتمع رأسمالي امبريالي (مثل الولاياتالمتحدةالامريكية) مجتمع متحرر ليبرالي (مثل جل الدول الغربية) الديمقراطية علاوة على انها نظام حكم مكلف يصعب تطبيقه في بلد منهوب ومفلس وغارق في المديونية (ولم اقل فقيرا) مثل بلادنا، فانها لن تفتح امام الفقراء والعاطلين والمهمشين والمستضعفين ابواب الجنة الموعودة بين عشية وضحاها كما يوهمهم بعض الساسة الذين يبيعون الرياح والاحلام، لقد عشنا لحد الساعة بما فيه الكفاية بالتمني والشعارات الرنانة منذ نصف قرن لان من توالوا على السلطة فهموا او افهمهم اسيادهم اننا شعب به غالبية تؤخذ بالعاطفة والكلام المنمق فهو الواجهة مهما كانت الافعال في الواقع. فالديمقراطية يمكن اذن ان تفرز لنا نظاما ومجتمعا دينيا معلبا ومزركشا في قالب جميل يدعى نظاما ديمقراطيا به احزاب متعددة تعارض قدر ما تشتهي وانتخابات حسب القانون الانتخابي الذي سيقع اعتماده وهو اختيار ليس بالبريء بتاتا ونتائجه غير متطابقة في حال كان يعتمد انتخاب الافراد او القائمات وهو نظام تجد فيه دور اعلام وصحفا عديدة واقتصادا حرا ليبيراليا لكن المجتمع يكون دينيا متحجرا حسب الفكر السياسي والقوانين التي سيعتمدها النظام السياسي الذي سيحكم البلاد باسم الدين. مع الملاحظة ان هنالك فرقا كبيرا بين مجتمع متدين والعبارة تعني مجتمعا يقوم افراده بفرائضهم الدينية من صلاة وصوم وزكاة عن طواعية وبصفة طبيعية دون مغالاة ودون حاجة للتبجح بذلك امام الاخرين واعلانه بعلامات فلكلورية كاللباس الافغاني وتطويل اللحي ولبس النقاب بالنسبة للمرأة ودون لفح سياط الشرطة الدينية التي بدأ البعض بتكوين نواة لها، فالقيام بالشعائر والفرائض الدينية مسألة شخصية بين الفرد والمولى عز وجل ولا تعني بقية افراد المجتمع وحتى الحساب يوم القيامة فردي وليس جماعيا، لذلك لا يظن الجماعة ان تكوين حزب اسلامي سيدخلهم الجنة بصفة الية، اما المجتمع الديني فمغاير تماما ويتميز على المجتمع المتدين بسلطة الدولة والحاكم على فرض القيام بالواجبات الدينية على جميع افراد المجتمع عنوة ودون تقاعس ودون تمييز. لذلك على الشعب ونخبه وسياسييه الا يطمئنوا كثيرا للدستور الجديد فكم كتبنا من دساتير منذ العهد القرطاجي وصولا لدستور بورقيبة فكلها بقيت حبرا على ورق ووجد الذين تداولوا على الحكم في هذه البلاد عديد التعلات لتنقيحه وافراغه من محتواه التقدمي فأهم من الدستور الذي استعمله النظام البورقيبي والذي تلاه كرماد ذر على الاعين مثلما استعملوا طيلة نصف قرن كلمة «الاستقلال» اهم من كل ذلك الارادة السياسية التي ستصاحب سنوات تطبيق ذلك الدستور، كذلك علينا بالا نغتر بما يسمى بالنظام الديمقراطي، فبما ان الشعب سئم من كلمة دستور التي فقدت بريقها وقداستها في حين استشهد من اجلها الاف التونسيين بيد المستعمر وبعد ان عبث بورقيبة والجوقة التي كانت تحوم حوله بقيادة مصطفى الفيلالي بذلك الدستور ثم عبث به بن علي والفرقة التي كانت تصاحبه جيء لنا بكلمة سحرية جديدة ألا وهي «الديمقراطية» سيستعملونها لتغطية مكرهم ومكائدهم ثم بعدما تنتهي صلوحياتها سيأتون لنا بكلمة سحرية جديدة مثل الشفافية المالية او الحوكمة الرشيدة، الحقيقة هي ان العبرة ليست بالكلمات والشعارات المنمقة الرنانة التي ابتلعنا منها طيلة العهدين السابقين بما فيه الكفاية والتي لا يزالون يريدون ذرها امام اعين الشعب التونسي الطيب بل العبرة بمعرفة أي نوع من المجتمعات سيفرزه لنا ذلك النظام «الديمقراطي» لانه في السياسة، الشيطان يكمن في الجزئيات».