في رسالة واضحة المضامين موجّهة إلى القيادة الإيرانية شنّت القوات العسكرية الأمريكية مدعومة بالقوات الحكومية العراقية خلال الأيام الأخيرة في الشهر الماضي غارات جوّية ومعارك عنيفة ضدّ جيش المهدي في البصرة وفي عدد من المدن الشيعية جنوب البلاد وبغداد أسفرت عن مئات القتلى والجرحى أغلبهم من المدنيين حسب تقاريرأممية. ومن الإشارات الواضحة لهذه الرّسالة أنّ التيار الصدري الحليف القوي للسلطة الإيرانية ليس بمأمن عن المطاردة والملاحقة باعتباره يمثل تيارا مذهبيا خارج نطاق السيطرة كثيرا ما أرّق القوات الأمريكية والعراقية نتيجة العمليات العسكرية التي يقوم بها أنصار هذا التيار ضدّ مواقع حكومية وأخرى للقوات الأجنبية بدعم ومساندة مباشرة من إيران. ومع أنّ ظاهرة الميليشيات المسلحة قد استفحلت في العراق بدعوى حماية الطوائف المذهبية ومقاومة الإحتلال والحكومة المركزية المنصّبة فإنّ التيار الصدري بزعامة الزعيم الشيعي مقتدى الصّدر قد بلغ من التنظيم والتّسلح ما يمثل خطرا في نظر القوات الأمريكية وحكومة نوري المالكي الذي أشرف بنفسه مؤخرا على بعض العمليات العسكرية جنوب البلاد ضدّ أنصار هذا التنظيم لتحجيم قدراته العسكرية. ورغم أنّ المواجهات المسلحة بين هذا التيار والسلطة المركزية قد انتهت فإنّ التوتر مازال مخيّما وتتخلّله مواجهات متفرّقة بين الطرفين... وقد تزامن انتهاء هذه المعارك بعدما أمر الصّدر رجاله بالإنسحاب من الشوارع لتفادي المواجهات مع الكشف عن دور إيراني في إنهاء هذا الإقتتال. وهكذا تتضح مضامين الرسالة الأمريكية العراقية الموجهة للقيادة الإيرانية للحدّ من تدخّلها في الشأن الداخلي العراقي... بل وتذهب بعض التقارير إلى أكثر من توجيه رسالة حيث تشير إلى احتمال قرب شنّ عملية عسكرية أمريكية ضدّ مراكز ومنشآت استراتيجية إيرانية محدّدة في فترة قد لا تتجاوز الصيف القادم «لتقليم أظافر» القيادة الإيرانية المصرّة على اكتساب التكنولوجيا النووية و«لتأديبها» حتى تكفّ عن تهديد إسرائيل. وما جرى منذ أيام ضدّ حليفها الصّدر وأتباعه يصبّ في هذه الخانة ويمهّد لهذه العملية العسكرية التي يصرّ البعض في البيت الأبيض على شنّها قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الخريف القادم. والمحصلة في النهاية لهذا التجاذب الأمريكي الإيراني على الساحة العراقية وحرب الوكالة التي يشنّّها هذا الطرف ضدّ الآخر لم تضف للشعب العراقي إلا مآسي أخرى عشية الذكرى الخامسة لسقوط بغداد.