دنفركولورادو - من مبعوثتنا: آسيا العتروس كثيرة هي المفارقات التي رافقت الاستعدادات للعيد الوطني الأمريكي هذا الأسبوع والذي يأتي في ظل احتياطات أمنية واسعة تحسبا لأية اعتداءات كالتي عرفتها بوسطن قبل أسابيع... فالاحتفالات في مختلف الشوارع الأمريكية تبقى شعبية وبعيدة عن كل المظاهر الرسمية، ولعل في ذلك ما جعل المشهد يبدو قريبا من الاحتفالات الجارية في الشوارع المصرية بعد إبعاد محمد مرسي عن السلطة. مقارنة قد تبدو غريبة ولكنها تفرض نفسها على المشهد.. احتفالات في مصر، واحتفالات في أمريكا، شماريخ وأضواء وحشود تملا الشوارع في موعد الرابع من جويلية. تشابهت المشاهد واختلفت الأوضاع.. أمريكا تحتفل بعيدها الوطني لتذكير الأمريكيين بمبادئ الجمهورية، والمصريون يحتفلون في اليوم ذاته بإسقاط أول رئيس منتخب بعد سنة واحدة على توليه السلطة. حدث فرض نفسه على مختلف القنوات والصحف الأمريكية التي ظلت ترصد لحظة بلحظة التطورات المتسارعة في بلد كان ولا يزال مهما بالنسبة لمصالح واشنطن في منطقة ساخنة، وهو حدث لم يكن ليترك البيت الأبيض على الحياد، فقد وجد الرئيس الأمريكي باراك أوباما نفسه مضطرا بمجرد عودته من جولته الافريقية، إلى الاجتماع بكبار المسؤولين في وزارة الدفاع والاستخبارات للنظر في كيفية التعامل مع الوضع الجديد في مصر والذي يترك الإدارة الامريكية في حالة من عدم وضوح الرؤية أمام تباين المواقف والقراءات لما حدث بين من يعتبر أنه انقلاب عسكري على رئيس منتخب ما يعني بالضرورة إيقاف المساعدات العسكرية الامريكية لمصر والمقدرة ب1,2 مليار سنويا بالنظرالى تعارض ذلك مع القوانين الامريكية التي تمنع التعامل مع أي سلطة تأتي في أعقاب انقلاب عسكري، وبين من يعتبر أن إزاحة مرسي في ذكرى توليه منصبه هو تصحيح لخطإ استراتيجي وأبعد ما يكون عن الانقلاب باعتباره نابعا من الشعب المصري. إقالة مرسي التي تأتي بعد 48 ساعة على المهلة التي كان المجلس العسكري قد حددها، لم تفاجئ المتظاهرين العائدين الى الميدان ولكن يبدو في المقابل أنها فاجأت أنصار مرسي. "هذا ما صنعه مرسي بمصر" الى أين تتجه مصر، وهل هي بداية نهاية مرحلة الشرعية؟ وهل تخرج مصر من قبضة مرسي و"الاخوان" لتعود الى قبضة الجيش؟.. تساؤلات كانت محور لقاء جمعنا في كولورادو بالباحثة المصرية نهى سمير محجوب الأستاذة بكلية الاعلام بالقاهرة وهي تعتبر أن الوضع الذي بلغته مصر اليوم كان نتيجة حتمية لتعامل الرئاسة مع الأوضاع في البلاد وتجاهلها للغضب الشعبي وسعيها لفرض الوصاية على المصريين. وتضيف محدثتنا أن ما سيحدث خلال الفترة القادمة سيحدد مصير مصر وما اذا كانت ستدخل مجددا تحت حكم العسكر الذي لا يريده أحد. وتقول أن المرحلة الانتقالية القادمة ستكون حاسمة وأن كل الأطراف ستكون معنية بمن في ذلك الشباب الذي يحرك الشارع للمرة الثانية خلال عامين ويسقط مرسي بعد أن اسقط مبارك، والمفترض أن تكون كل الفعاليات فهمت الدرس لتتجاوز خلافاتها وانقساماتها. وحول الاتهامات لحركة "تمرد" بالخروج عن الشرعية وإسقاط رئيس منتخب بكل ما يعنيه ذلك من تداعيات على التجربة الديموقراطية الوليدة في مصر، تقول الأستاذة نهى محجوب إن مصر لا تزال في حالة ثورية وأن الانتخابات الرئاسية التي عاشها المصريون لم تكن عادية وكذلك الظروف التي ارتبطت بوضع الدستور، وبالنظر الى ما حدث فإن 6 ملايين ممن صوتوا لمحمد مرسي في الانتخابات قاموا بذلك لمنع انتخاب أحمد شفيق.. لقد كان من المهم أن يدرك مرسي أن الشرعية ليست مطلقة وقد لا يكون من المبالغة الإقرار بأن الكثيرين كانوا معه في البداية ومع إعطائه فرصة ولكنه لم يفهم ذلك فكان الاعلان الدستوري أكبر الأخطاء التي وقع فيها وتكررت تلك الاخطاء وتعددت. مرسي إذن من انقلب على الشرعية وعلى الدستور ومنح نفسه صلاحيات تجاوزت كل الحدود ولم يحترم استقلال القضاء ولا هيبة الدولة ولم يحترم الدستور.. لعب مرسي لعبة خطيرة مع الشعب وكان يعتقد أن كلمة "الشرعية" ستحميه. أما عن الموقف الأمريكي المتحيز لمرسي، تقول محدثتنا أن أمريكا لا تزال مترددة ولم تحدد موقفا بعد، تماما كما كان الحال في ثورة يناير حيث بقيت مترددة الى أن اتضح المشهد فانحازت للشعب المصري ودعت مبارك للتخلي عن السلطة... واليوم المشهد نفسه يتكرر والإدارة الامريكية لم تحسم رأيها بشأن إنهاء مرحلة حكم مرسي والمحللون السياسيون هنا في أمريكا ليسوا على رأي واحد، بل هناك من يرى أنه لم يحدث انقلاب بل وقع تصحيح مشهد وهذا صحيح.. فالانقلاب تقوده جماعة من العسكريون يعمدون إلى افتكاك السلطة، وهذا لم يحدث، وقد رأينا أن إعلان المجلس العسكري جاء دعما للشارع المصري ثم ان الإعلان عن انهاء حكم مرسي كان بحضور شيخ الازهر وبابا الاقباط والبرادعي وهذا فيه محاولة لطمأنة الداخل والخارج على حد سواء. "الاخوان دفعوا المصريين الى أحضان العسكر" وتضيف نهى محجوب أنه لا يمكن انكار أن هناك خوف في النفوس من تغول الجيش، فقد عانى المصريون من الحكم العسكري والتجربة كانت دموية وأفقدت الجيش هيبته وكرامته، وتشدد على قناعتها بأن الجيش المصري لن يكرر الخطأ وأنه يدرك أن الشعب المصري يريد تحقيق أهدافه في الحرية والكرامة والعدالة وهي أهداف لن تتحكم بحكم عسكري ولا يحكم إسلامي. وعن الإجراءات المعلنة بعد إيقاف محمد مرسي وغلق ست محطات تلفزية للاخوان المسلمين والمخاوف من دكتاتورية عسكرية جديدة، تقول الجامعية نهى محجوب أنه كان بإمكان مرسي أن يجنب نفسه والمصريين هذه الدوامة وهذا الموقف الذي لم نكن نريده له. وتوضح بكثير من الحسرة أنه كان بإمكان مرسي أن يسجل التاريخ اسمه ويكون زعيما لكل المصريين بعد الثورة ولكنه سلمنا للعسكر بسياساته وخياراته الفاشلة، وما حدث كان نتيجة حتمية، فالناس لم يجدوا ملاذا لهم سوى الجيش وهو ما حصل، وكل ما نتمناه ألا تعود مصر الى المربع الاول. حصيلة محمد مرسي بعد عام من تولي الرئاسة كما تقول نهى، كانت كارثية، فقد تفاقم الوضع الاقتصادي بدرجة كبيرة، ما أثار غضب شرائح واسعة من المجتمع وأدت المواجهات بين المؤيدين للرئيس ومعارضيه إلى عشرات القتلى.. سلطة محمد مرسي كانت تتداعى منذ اعلان المهلة واتضح ذلك مع استقالة عدد من الوزراء والمساعدين تباعا. عن المستقبل تقول نهى أن المهم تثبيت خارطة الطريق والاستعداد لوضع دستور جديد، وتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية، تشرف عليها حكومة تكنوقراط وموظفون سامون في الدولة. ولا تنكر نهى أن ما حدث يمكن أن يعمق لدى الإخوان المسلمين الشعور بالظلم وقد يدفع مصر الى مرحلة من الانتقام والدم، ولكنها تستبعد تكرار ما يردد عن السيناريو الجزائري وتعتبر أن الوقت حان لتغيير العقليات لأن الديموقراطية ليست انتخابات فقط بل هي ثقافة، ولا شك أنه لا بد من استيعاب الدرس والاستفادة من هذه الاحداث والاستماع لصوت الشعب ولارادته، وقد رأينا أن تجاهل مرسي للإرادة الشعبية كلفه الكثير... بين الشرعية ولعبة المصالح بعد انقضاء 24 ساعة على إعلان تنحي مرسي لا يزال البيت الأبيض مترددا في موقفه بين الدفاع عن شرعية انتخابية وتجربة ديمقراطية في خطواتها الأولى أو ملايين المتمردين الذين خرجوا للشوارع رافضين حكم الرئيس المنتخب بعد تجربة استمرت سنة ولم تحمل للمصريين الكثير مما كان يمكن أن يجعلهم يتمسكون بحكم الاخوان. التردد الأمريكي إزاء عزل مرسي رافقه ترحيب الاتحاد الأوروبي الذي أعلن دعمه لخيار الشعب المصري، والمفاجأة كانت من السعودية وقطر اللتين سارعتا إلى الترحيب برغبة الشارع المصري.. موقف يتفق -وهذه مفارقة أخرى- مع الموقف السوري إزاء الأحداث المتسارعة في مصر والذي لا يبدو أنه كشف بعد كل أسراره ورفع الغموض عن مصير الرئيس المخلوع في ظل الإقامة الجبرية...